في سورة هود نجد العديد من القصص التي فيها تبيان للفرص التي وضعها تعالى أمام المجتمع الإنساني، وواحدة من هذه الفرص هي فرصة إرسال الرسل إليهم، وكأن هذه الآية {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} تقدم لنا مقدمة واضحة وتعريف مختصر وشامل لقصة رسل الله تعالى مع أقوامهم المرسلين إليهم، لنعيش حالة التذكر لا الغفلة.
ففي كل زمن هناك فريقان فريق عمى والصم وفريق البصيرة والسماع، ولولا أهل العمى لما وجد فريق أهل البصيرة، ومن تقديمهم على أهل البصيرة يمكن أن نفهم ذلك، لأنهم أصل إرسال الرسل وغاية من الغايات الأولى لبعثة الحجج الإلهيين.
فلو كان الناس من أهل البصائر جميعًا لكانوا قد اهتدوا ببصائرهم للحق، ولكن هم أصبحوا من أهل البصائر لأنهم استجابوا تارة واستقاموا على اتباع وموالات رسل الله تعالى، وتبرأوا من أعداء الله تعالى تارة أخرى.
أما أهل العمى فمنهم من تلبس بالعناد والكفر، ومنهم من لازالت فيه فسحة من النور ليهتدي ويعود لرشده ويستيقظ من غفلته، وهؤلاء لهم النصيب الأوفر من اهتمام الرسل.
فمن الملفت إن الآية وضعت أهل العمى في قبال البصيرة، والأصم في قبال السميع، فقد يكون الإنسان يرى بعينه الجوارحية، لكنه أعمى لا يرى بعينه الجوانيحية -أي أعمى القلب- قد أصاب قلبه الرين والطبع، فهم كانوا يرون آيات الله المتمثلة بحجج السماء ويسمعون ما أنزل إليهم من رسالات ربهم لكنهم لم يكونوا من أهل الاستجابة، لأنهم لم يكونوا من أهل الاستماع أي استيعاب ونفوذ كلمات الرسل للقلب. إذ عبرت الآية بالسميع والسامع ووضعته في قبال الأصم، فمن يسمع ولا يرتب أثر على ما سمع من موقف أو سلوك يقظة واستنارة هو يعامل معامل الأصم.
كما ونلحظ إنه تم الفصل بين الأعمى والأصم ولم تقل الآية كالأعمى الأصم، أي قد يكون هناك من هو أعمى البصيرة لكنه ليس بالأصم بل يسمع كلام الله تعالى لكنه لأنه بلا بصيرة هو لا يعي ما يسمع.
وهناك من هو بصير لكنه ليس بسميع أي يبصر الحقائق لكنها لم تدخل في قلبه بشكل يتحقق عنده استيعابها ووعيها ليعمل بها. وهناك من يعي الحقائق لأنه بصير فيعمل بها. وهناك من يسمع ويعي لكنه لأن بصيرته ضعيفة يكون ليس قوياً في ميدان العمل والسلوك. لذا المثال الأمثل هو البصيرة أولاً ثم ملكة الاستماع.
فحالة التذكر- كما يبدو - التي لأجلها ضرب الله تعالى لنا مثل هذين الفريقين هي أن نتفقد جوارحنا وجوانحنا: هل هي عاملة أم غافلة، هل هي ترى الحق حقًا أم ترى الباطل حقًا؟ هل هي تستمع للحق أم للهو؟ هل هذه العين ترى الحقيقة أم ترى وتشبعت بما يُصدر لها من تزين وزيف ووهم؟ فكل جواب لهذه التساؤلات تجعلنا نعرف المدخلات التي ملأنا بها وعاء هذا القلب؟ وبالنتيجة سنعرف في أي الفريقين نحن؟.
————
اضافةتعليق
التعليقات