الزمن وعمر الإنسان .
مما لاشك فيه أن مجتمعنا اليوم ما أحوج إليه هو الاصلاح وانتهاز الفرص المفيدة خاصة ونحن نعيش الثورة الالكترونية وتواجد الكثيرمن الفرص العلمية والتربوية حيث شهد الشارع العربي فرص انسانية أخلاقية من المؤسسات وغيرها، فكانت استغلال هذه الفرص هو أساس التقدم الأخلاقي لهذه الثورة بعد محاولات لإصلاح المجتمع فقد قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : (إن الفرص تمر مرّ السحاب، فانتهزوها إذا أمكنت في أبواب الخير).
إن الإنسان في هذه الدنيا مرهون بساعات عمره من جهة، ومرهون بالزمن المحيط به من جهة أخرى، فلكل منهما قيمة لا تقدر بشيء؛ لأن الإنسان إنما يقيم بعمله. الله عز وجل يحاسب الإنسان من منظار العمل، كما أن المجتمع يقدر الإنسان ويقيمه من خلال عمله أيضا.
إذاً فالعمل هو الجهة المهمة في الإنسان، وعلى أساسها يكون للإنسان الاعتبار، ولكن هذا العمل مرهون تحت أمرين هما العمر والزمن.
ولا يخفى أن العمر يتكون من مجموعة ساعات متلاحقة، فإذا استطاع الإنسان أن يستثمر عمره هذا و ساعاته تلك بعمل الخير فإنه يكون قد ضمن مصيراً سعيداً لنفسه، إن عمرك عدد أنفاسك وعليها رقيب تحصيها .
فلا يحسب المرء أن لحظات عمره إنما تذهب اعتباطا وبدون حساب بل إنها تسجل عليه ويسجل كل ما يعمل فيها من عمل، خير أو شر، فهي محسوبة عليه وهو محاسب عليها بالنهاية، ولذا ينبغي له اغتنامها لحظة لحظة وجزء جزء، ولا يحسب أن عمره سيطول، فيؤجل عمله إلى الغد وبعد الغد، فإن العمر تفنيه اللحظات .
إن تقدم العمر بالإنسان عبارة عن قرب نهاية وجوده على هذه البسيطة وخاتمة عمره في هذه الدنيا، والدنيا - كما في الحديث الشريف - مزرعة الآخرة، فلا بد للعاقل من استغلالها للآخرة، وعليه فالساعات التي يضيعها الإنسان هنا وهناك بلا استثمار ولا استغلال فإنه إنما يضيع بها جزء من وجوده ويخسر عبرها مقداراً من أيام عمره. يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام): الساعات تنهب الأعمار .
استثمار العمر
لكي يحافظ الإنسان على فرصة عمره يلزم عليه أن يستثمر ساعات العمر ولحظات الزمن بالعمل الصالح؛ إذ بواسطته سوف يطول عمر الإنسان؛ لأن بركة العمر في حسن العمل .
أو كما جاءت الأخبار متوافرة في أن الصدقة وصلة الرحم تزيدان في العمر. فعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: صلة الأرحام تثمر الأموال وتنسيء في الآجال.
ومن جهة ثانية: فإن الإنسان عندما يؤدي العمل الصالح ويأتي بفعل الخير، فإنه يشعر بالراحة النفسية؛ لأنه يرى أن فعله هذا صدر في محله، وأنه قد استفاد من الزمن استفادة تامة، وأنه سوف لا يتحسر يوم القيامة على هذه اللحظات والساعات..
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ألا من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت، بالآجال، ومن يعيش بالإحسان أكثر.
ولا يخفى أن الصدقة وصلة الرحم، كلاهما من العمل الصالح والبرّ والخير الذي دعت الشريعة إليها.
كما ولا يتحسر ومن جهة ثالثة: فإن الذي يقدر الزمن ويعمد إلى صالح الأعمال، إنما يزيد لروحه ومعنويته معنوية وكمالا مضاعفا، ومضافا إلى طول عمره عندما يأتيه الموت تراه فرحا مستبشرا؛ لأنه يشعر أنه غير مقصر في أمره، فلا يندم ويتحسر من ضيع عمره فبهذا الاهتمام والاغتنام وبفضل الله تعالى يضمن نجاته من أليم العذاب. بعكس الذي لا يعرف قدر الزمن وثمن الساعات فتمر عليه السنين والأعوام وهو في غفلة من أمره، فتراه يراوح في مكانه دون أن يتقدم، ودون أن يضفي على نفسه كمالا، فهذا مضافا إلى تأخره وتقهقره في حياته، واضطرابه وخوفه عند موته يحصد يوم القيامة حسرة وندامة، نتيجة جهله بالزمن وتغافله عن قيمة العمر والحياة.
وعليه فالزمن مجموعة ساعات تتخللها فرص ثمينة للإنسان، فالذكي من اغتنمها وعمل فيها فربحها والشقي من غفل عنها ولم يعمل فيها فخسرها.. فإنها لن تعود أبدا.
على العكس من الذي ضيع ساعات عمره في اللهو واللعب، فإنه يندم على كل لحظة لم يستثمرها في فعل الخير، ويتعقب ذلك الندم حسرة نفسية وكآبة روحية.
الفرص هي عبارة عن أوقات زمانية رائعة لما تحمل في طياتها من خير للإنسان، ولكن أولا: أن يدرك أن هذه اللحظات الفرصة التي لا تعود. ويعرف ثانيا: كيف يستغلها ويستفيد منها فائدة عقلائية، فالبعض من الناس عندما تتهيأ لها الأسباب الجيدة، أو مقدمات النجاح، تراه يعرض عن استثمارها، بل أحيانا تأتي الفرصة جاهزة فيأتيه الخير كله وما يبقى عليه إلا أن يمد يده نحوه ليأخذه، ومع ذلك يتوانى ويفرط ويترك الأمر، استجابة لطول الأمل، واتباعا للهوى، واتكالا على أن في العمر فسحة وفي الأجل مدة، وأن عمره طويل، واعتقادا بأنه إذا ذهبت هذه الفرصة فسوف تأتي فرصة أخرى بدلها، وهكذا يدع الفرص تمر من بين يديه مر السحاب وهو ينظر إليها غير معتن بها ولا مغتنم لها والسبب في هذا التغافل هو انعدام الهدف في الحياة ونسيان عالم الآخرة، والركون إلى الدنيا، والتعلق بها والانهماك فيها، ولكنه بعد مرور الزمن سوف يتحسر على خسران تلك الفرص، ويندم على إضاعة العمر وإتلاف الوقت دون أن يستغله في خيره وكماله ...
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "قصر الأمل، فإن العمر قصير، وافعل الخير فإن يسيره كثير" .
"رحم الله امرأ اغتنم المهل وبادر العمل ".
أما الإتكال على طول الأمل، ومجرد الأماني والاغترار بالوساوس الشيطانية والأفكار الواهية وإقناع المرء نفسه بأنه طويل العمر، وأن عمل اليوم سوف يقوم به غدا، وما إلى ذلك، فهذا كله عبارة عن الإسراف والتبذير للعمر الغالي، والتسويف وتضييع الوقت الثمين، وهي ليست من علامات الإنسان الناجح، بل وليست من علامات الإنسان العاقل والمؤمن أيضا.
من القصص عن الامام الراحل في انتهاز الفرص مع أحد المأمومين:
دعاني ذات مرة أحد المقلدين وكان من المواظبين على الاقتداء بنا والصلاة معنا وطلب مني أن أستجيب لدعوته، فقلت له: إني أعتذر من قبول هكذا دعوات؛ وذلك لما فيها من الوقوع في محاذير أتجنبها، إلا أنه أصر علي كثيرا، فقلت له: إذا بشرط أن لا تكلف نفسك، وكان معي أحد السادة الفضلاء وعندما ذهبنا إلى بيته وجدناه قد وفى بوعده جزاه الله خيرا.
وعندما جلسنا واستقر بنا المقام، رأيت من المناسب أن أغتنم هذا الوقت اطرح على الحاج موضوعا لربما تكون من ورائه نتائج نافعة. فقلت له: عندي موضوع أود أن أكلمك فيه.
فقال: تفضل. قلت له إن بعض المدارس الدينية في مدينة مشهد المقدسة تعرضت للهدم ونالها التخريب، فقل عددها هناك فما رأيك - لو كنت قادرا - أن تبني مدرسة علمية هناك بإسم الإمام الرضا؟ فقال: وأنت تشجع على هذا المشروع؟ قلت له نعم فقال: وهل يمكن حساب كلفة البناء من الحقوق الشرعية؟ قلت له: نعم، فإن الإمام الرضا قال الخمس عوننا على ديننا فقال الحاج: لا مانع لدي من ذلك، ثم قال: وكم تبلغ تكاليف هذا المشروع؟ قلت له سأتصل بأحد أصدقائنا في طهران وأخبرك بالموضوع، وبالفعل أخيرا تم بناء مدرسة الإمام الرضا في مدينة مشهد المقدسة وكان سبب بنائها هو ذلك الحديث الذي لم يستمر أكثر من عشر دقائق..
اضافةتعليق
التعليقات