بمشهد يأسٍ مطلق، تترك الأرجل قيودها وتتحرر وكأنها طير يود أن يجرب الطيران لأول مرة فتهوي الأقدام بصاحبها من أعلى السطح حتى ترتطم بأرض الواقع دون أن يكون لها فرصة في التفكير لحظة السقوط أنها بلا أجنحة وهذه البرودة التي تسير تحت جسدها ماهي إلا دماء تخرج من حبسها المادي إلى عالم روحي لا يحتاج سريانها بانتظام.
هكذا كان المشهد كما صور وانتشر، ثم يتبعه مشهد فآخر، انتحار، قتل شاب على منصة القادة، إحراق نفس، فطعن أولاد ثم ينتهي اليوم فنغادر المنصة ونعود بذات الكرة مرة أخرى ولاجديد يذكر، عالم من اليأس يسيطر على الوضع، كنت أرفض النصيحة المبالغ فيها بشكل أو بآخر إلى أن تعثرت بهذه المعادلة، أدركت بعدها لما كل هذا يحدث رغم أننا نسير على خطا نظن أنها الخلاص في مثل هذه الأيام المليئة بالفتن والمصائب التي بتنا لا نحصي لها عداً، ولا نفيق من واحدة إلا عاجلتنا الأخرى بشكل أشد وأقوى.
فتنهك قوانا العقلية وتأخذ بايدينا نحو يأس محتم لنجلس منتظرين النهاية دون أي ردة فعل منا، حتى يكون الحليم فينا حيرانا ولا ندري كيف نتقي كل هذه الفتن، فنتيه بين أرصفة المواقع الاجتماعية وحتى الرسمية فيها تنطوي على كذبة، وما إن داهمنا قدر من أيدينا نقول هو غضب رباني متناسين أنه أرحم الراحمين حيث ذكر في محكم كتابه: (أَنَّ اللَّه لَيسَ بِظَلام للعبِيدِ)، فينتابنا الشك برحمٰن مؤكد رحمته ولانشك بأنفسنا التي أدمنت الخطيئة فأضحت عندها عادة، فنسأل كثيرا وندعوا الله أن يخلصنا دون أن نبحث عن مخرج، ندرس المشاكل وأسبابها ونقترح حلول ولكن كلها تذهب أدراج الرياح وتتبخر، ونجلس منتظرين المعجزة دون تحريك ساكن.
معادلات ربانية
إن ديننا واضح كشمس تذيب جليد الروح فتزيل عنه التعب بروية، لم يترك فيه مجالا للشك أو الخطأ، فلو وضع عالم الكيمياء أو الفيزياء معادلة تمسك بها لأنها السبيل الوحيد للوصول إلى نتائج علمية صحيحة، وهذا مايفتقده أغلب الناس حيث إنهم افتقدوا ثقافة العلماء واتبعوا سبيل أهوائهم وأغلب مانتج عنهم من معتقدات خاوية الأركان، والحقيقة العلمية تقول إننا سنجد الجواب كما يجده العلماء حتما أن بحثنا في عالم جامع لكل العلوم وهو كتاب منزل من جبار حكيم ماترك صغيرة وكبيرة إلا فسرها ووضع أساساً لها، كهذه المعادلة التي يمكن أن تنقل انسانا كاملا من الظلام إلى النور لو تمعن قليلا وقرر أن يدخل أعماق نفسه وينتشل ذاته من الجهل فلن ينتشلك أحدا لو لم تقرر أن تبدأ الخطوة الأولى أنت.
يقول رب العالمين: (ومَن يتقِ اللّهَ يجعَلْ لهُ مَخرجا * وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوكل عَلَى اللّهِ فهُوَ حَسبُهُ)، إذن: حتى ينصرنا الله تعالى في الدنيا والآخرة، ماذا اشترط علينا؟ اشترط تقواه، وكيف يكون ذلك؟ يكون بنصرةِ دينه وإحياء شريعته بالعمل بمقتضاها، فننفذ ما أمرنا الله به من الطاعات، وننتهي عما نهانا عنه من المعاصي، فإذا سار الناس في مجتمعنا على عكس ما اشترط علينا رب العالمين، فيعملون ما نهاهم عنه، ويجتنبون ما أمرهم به، هل تكون النتيجة نصراً أم خذلاناً؟ إنقاذاً من المصاعب أم زيادة في الوقوع بها؟ والجواب واضح في قوله الله تعالى بينه لنا في كتابه فقال: (وَالذِينَ كَفرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَل أَعمَالَهُم).
هذه الجملة الشرطية واضحة الأركان، فهناك فعل الشرط، وهناك جواب الشرط، أي بمعنى آخر، ربط الله تعالى إيجاد المخرج مما نحن فيه بتقواه، فإن اتقينا ربنا يسر لنا المخرج مما نحن فيه، وإن توكلنا على الله، وهو القوي القادر، فسيكون حسبنا، أي الذي سيكفينا أمر دنيانا بحيث لا نحتاج إلى غيره.
وفي معادلة ربانية أخرى، حتى تطمئن القلوب، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيهَا الذينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُركُم وَيُثَبِت أَقدَامَكُم)، هذه المعادلة الواضحة المؤلفة من ركنين أساسيين هما: إن تنصروا الله، وهي فعل الشرط، وينصركم، وهي جواب الشرط.
ثم نسأل لماذا هذا الضلال وهذه التعاسة يا رب؟
فيأتي الجواب من عند الله، في كتاب الله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ) فالله نصير المؤمنين وناصرهم، أما الكافرون فلا مولى لهم، أي لا ناصر لهم ينصرهم على أعدائهم، الذين يذلونهم ويقهرونهم ويعاملونهم كما يعاملون الأنعام والبهائم أو أقل، فإذا عدنا إلى ربنا، ونصرنا الله تعالى بنصرة شريعته كان الله ناصرنا، وحسبنا، فنعم المولى ونعم النصير، وإن ينصركم الله فلا غالب لكم، فكل هذه المعادلات تحتوي على قاعدة إيمانية كبيرة، ربانية لا تخطئ أبدا، فإذا ما تحقق شرطها الأول تحقق الثاني دون إبطاء.
اضافةتعليق
التعليقات