من الأمور التي تسبب التفاف الناس حول الإسلام انعدام التفاضل والتمايز والطبقية، فالدين الإسلامي لا يفرّق بين الأسود والأبيض، والأصفر والأحمر، ولا بين الغني والفقير، والقوي والضعيف، فالناس كلهم سواسية كأسنان المشط، لا فضل لإنسان على آخر إلا بالتقوى: "إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم"، وكلهم سواسية أمام القانون وفي فرص العمل والتحرك.
كما أنّ المسلمين في نظر الإسلام أمّة واحدة، كذلك جميع الكفار أمة واحدة، ولذا قالوا: "الكفر كله ملّة واحدة"، فلا فرق بين أصناف الكفار إلا المحارب منهم، فإنه يختلف الكافر المعاهد والمحايد والذمي عن المحارب في بعض الأحكام الشرعية، فكل كافر غير محارب مأمون على ماله ونفسه وعرضه، وكل كافر حتى المحارب منهم إذا أسلم، أصبح يتمتع بجميع الحقوق والامتيازات الإسلامية، فيكون له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين.
لكن المسلمين اليوم غضّوا الطرف عن هذا القانون الإلهي، وعملوا بالطبقية والتفرقة والتمييز حتى بين أنفسهم، ولذلك نشاهد اليوم التقسيم الجغرافي والقومي متجلياً عبر الهوية والجنسية...
وربما يقال صحيح أنّ الإسلام لا يؤمن بالتمييز والطبقية والتفرقة، ولكنّه يؤمن باختلاف الأحكام بين المسلم والكافر، وهذا ما يجعل البعض يعترض على الإسلام ويصفه بكونه قانوناً ناقصاً، ويعتبر الغرب الذي يؤمن بتساوي المسلم والكافر أمام القانون، ذا نظام أشمل وأصلح من النظام الإسلامي.
ولدفع هذا الالتباس نقول:
أولاً: إنّ الغرب لم يجعلهم طبقة واحدة، ولذا فإنّ قوانين الغرب تفرّق بين المواطن الأصلي والمواطن الأجنبي.
ثانياً: إنّ الإسلام يمنح المساواة لمن يدخل في الإسلام من أي جنس كان، وفي أي بلد عاش، أو يعيش، أو يختاره للعيش فيما بعد، حتى لو كان مسافراً فإن له الحق في أن يشتري العقارات وأن يتزوج و ... كأي مواطن عادي.
وليس من يدخل بلاد الغرب كذلك، بل هناك قيود متعددة تفرض على سفر الإنسان أو هجرته إلى بلادهم، ثم بعد ذلك نجد المسافر أو المهاجر بحاجة إلى فترة زمنية يقيم فيها هناك، وشرائط أخرى عديدة...
ثالثاً: في الإسلام قسمان من القوانين: قسم يتساوى فيه الجميع، المسلم والكافر كقانون المرور والحرية وحيازة المباحات، وقسم من القوانين لا يتساوى فيها المسلم والكافر وتعد لصالح الكافر، مثل قانون (الإلزام)، فللكافر حكمه على حدة، وللمسلم حكمه على حدة، وذلك حسب عقيدتهما ومنهاجهما.
ومن الملاحظ أنّ التمييز في القوانين بين الكفار في بلادهم – حتى أشدها ديمقراطية – أكبر من التمييز بين المسلمين والكفار في البلاد الإسلامية وأعقد منها.
روي إن موسى بن جعفر (عليهما السلام) مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر، فسلم عليه ونزل عنده وحادثه طويلاً ثم عرض عليه السلام عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له. فقيل له: يا بن رسول الله أتنزل إلى هذا ثمّ تسأله حوائجه، وهو إليك أحوج؟!
فقال عليه السلام: "عبدٌ من عبيد الله، وأخٌ في كتاب الله، وجارٌ في بلاد الله، يجمعنا وإياه خيرُ الآباء آدم عليه السلام وأفضل الأديان الإسلام، ولعل الدهر يردّ من حاجاتنا إليه فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه".
وعن رجل من أهل بلخ قال: كنت مع الرضا عليه السلام في سفره إلى خراسان فدعا يوماً بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة؟ فقال: "مه! إنّ الرّبّ تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال".
اضافةتعليق
التعليقات