لا يمكن لأي عاقلٍ أن يتصور، أن ما ابتغاه وقصده الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) من اصطحاب نسوته وأطفاله معه إلى كربلاء، هو الضرر أو إلقاء نفسه وأهل بيته في التهلكة.
فلابد من شأن إلهي غيبي هناك هو أجل وأعظم من سلامة نفس الحسين وسلامة عياله، مما دفعه لأن يبذل في سبيله ما لا تشخصه العقول وتدركه القلوب، هذا فضلًا أنه الإمام، الحجة، المعصوم على سائر العباد، الذي لا يمكن أن يتقدمه أحد في موضوع الغيرة والشرف والحميّة على أهله فهو أبو الغيرة والشهامة والرجولة.
لقد كانت مقدّرة له صلوات الله وسلامه عليه في عالم الغيب والإمكان عدة مقامات ومنازل شريفة لا ينالها إلا بذلك الخروج الميمون بأهله إلى كربلاء، وبتقديم ذواتهم قرابين محتسبة أمرها عند الله تعالى، كما قال عنه الإمام علي بن موسى الرضا (صلوات الله وسلامه عليه): "كلنا سفن النجاة، وسفينة جدي الحسين أوسع، وفي لجج البحار أسرع " .
ومن أعظم ما اُفجع به سيد الشهداء في ظهيرة يوم عاشوراء، هو مصابه في رضيعه "عبدالله الرضيع"، الذي قدمه ثمنًا لذلك المشروع العظيم عطشانًا متشحطًا بدمه، محتسبًا شهيدا .
طفل صغير مِثل البدر ما بين السحاب ، لم يبلغ من عمره سوى ستة أشهر ، طوق بسهم الردى وهو على صدر أبيه الشريف، بعد أن تهافتت نحوه ونحو جيده الصغير نبال حرملة بن كاهل الأسدي القاسية ، التي تسابقت مع الريح في الهواء على نحره فنحرته من الوريد إلى الوريد، من غير ذنبٍ سوى أنه طفل الحسين (صلوات الله وسلامه عليهما).
ترى هل تجيء فجيعة بأعظم من تلك الفجيعة على قلب الحسين الصبور، لولا أنها كانت بعين الله تعالى وتحت مشيئته!.
ولم تتحمل الأرض فداحة تلك الفاجعة وما ارتكب بتلك القرابين الطاهرة، حتى كادت أن تسيخ عدة مرات بأهلها ومن عليها، لولا رحمة دماء منحر "رضيع الحسين " ودماء "أبيه" الزكية التي سكنت في الخلد، وأبت ألّا تسقط و تتهاوى على الأرض رحمة وشفقة على تلك الأمة المتعوسة، التي حقًا لا تسحق مثل هذا العطاء والجزاء العظيم من الحسين.. ولولاه لأصبحت الأرض في خبر كان . ف "السلام على المُتَشحّطِ دما، والمُصْعَدِ بدمهِ إلى السماء"..
حيث كانت الطغمة الأموية الكافرة تستهدف بقوة من وراء ذبحها عبد الله الرضيع وكل أخوته، بأن لا يبقى باقية لأبيهم "سيد الشهداء" ولا لنسله الطاهر على تلك الأرض، ولا عجب مَن لا دين له ولا عقيدة ولا ضمير أن يفعل ما يشاء، وصدق المثل الذي يقول "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت ".
لكن أبى الله تعالى إلّا أن يرفع هذا النسل العظيم ولو كَرِه الظالمون الكافرون، حيث أصبحت مودة الحسين ومودة عترته قابعة في قلوب المؤمنين لا تزول، وأصبح أمره في علو وظهور دائم كما أشارت إلى ذلك أخته السيدة زينب الكبرى (صلوات الله وسلامه عليها)، وحتى قيام ابنه "القائم" "المهدي" "المنتظر" صلوات الله وسلامه عليه الذي سيطالب القوم بحقه المغصوب ودمه المهدور بعد رجعة مباركة موعودة، وسيقيم عليه أكبر مأتم عند ضريح أبيه ، وسينادي بأعلى صوته ما ذنب هذا الطفل الرضيع المذبوحِ ظلمًا بالسهمِ في حجرِ أبيه.. فيا ترى ماذا سيجيبه عندئذ، ذلك الخَلق الخؤون.
اضافةتعليق
التعليقات