يدخر الصمت كثير الكلام، وفي صنوف خيره أبواب متفرقة من ذكر وكتاب ..في عالم الحكمة وسمو الحرف، أنبياء وأولياء لهم الترتيل والتأويل، وقد ملكو كل الخير وازدادو كيل جليل، حتى تربع فؤادهم تمام الذكر .
أفواج من الكلمة، خرجت عن صمتها لتحي اليوم حياة، وتكتب زبدا ممهورا بالرضا والنمو لساحل الثواب وحب الأولياء .عافية نرتضيها، وحاجة تعدو لكشف ستار الغيث ، من يد الائمة ، وسلالة الاطهار السيد محمد سبع الدجيل ..
في هذه اللحظات ، الذات تلخص لنا رؤيا لطالما أعطت الكثير من غيب ، وغذت البصيرة واعطتها شهيق. حتى تكفلت بيتيم النفس ، وألهمتها نوافذ قوة ووقفت ٱزاء باب المراد ، لترتوي منها جواب سائل.
لايسع الخنصر، إيراد المختصر من حياته، لأن كثير المعاني ينمو ، وجليل الهيبة يحبو إليه الوثير .هو السيد محمد بن الإمام علي الهادي بن الإمام محمد الجواد عليهم السلام، ولد في المدينة المنورة ، في قرية صريا سنة ٢٢٨ هـ.
علما ظاهرا وزاخرا بالمجد والقوة والابصار ، وبصيرة نافذة يحتذى بها في كل الامصار ، عبادة وتقوى وجميل آثار ، تطبعت به منافذ القوة وخوض الوغى دون خوف أو تردد حتى كاد يليق به دور الإمامة ، لولا وجود النص وحتمية الغيب في اختيار من هم للرسالة أولياء ، تصدى المواقف واراضى لنفسه عبادة متمثلة بطاعة أبيه الامام الهادي والذي كان يعتمد عليه كثيرا في تأدية المهام وتجليه الصدق .
أقام السيد محمد عليه السلام مع أبيه الامام علي الهادي عليه السلام في المدينة المنورة حتى السنة الثانية من حكم المتوكل (٢٣٤ / ٨٤٨), ثم سعى بأبيه الهادي عليه السلام ، فأرسل إليه واستدعاه لسر من رأى فخلفه طفلاً في المدينة المنورة ، وكان عمره آنذاك ست سنين.
عاصر السيد محمد عليه السلام عدة من خلفاء بني العباس لعنهم الله ، وكان له قربا حكيما حميما من أبيه الامام الهادي وأخيه العسكري عليهم السلام ، وهو دليل الطاعة المطلقة وجميل مآثر الخطوة في كل مواقفه وأفعاله وصولاته لهما .. وهو دليل همته العالية وذاته المتفانية لبيت الولاية ..
ومع سير الأحداث التي عصفت بالإمام الهادي عليه السلام وعائلته وأصحابه من سجن ومطاردة وقتل ، ودوام اختناق لراحلة العطاء .. فإن رواية وفاته باتت بين قول المرض ونهاية ، وأخرى أنه قد جرد من رداء الحياة بقول المباغتة بالسم من قبل بني العباس.. ومع أن الأحداث التي أودت بنهاية حياته الشريفة وهو في ريعان شبابه ( ٢٤) تقريبا وهو في مخاض تأديته لواجبه وخدمته لأبيه الامام الهادي عليه السلام في بلدة بلد ، الدجيل .. وفي ظروف غامضة ..
مما أثر فقده على قلب الهادي عليه السلام ، وحزن عليه حزنا شديدا وأقام له مجلس عزاء ضخم ، فوسع الإمام الهادي عليه السلام ذلك المجلس لحضور أكثر من أربعمائة هاشمي وعلوي وعباسي فيه .. وهو دليل عظيم منزلته ، وجليل هيبته وكمال قدره عند أبيه الهادي عليه السلام .
رواية قد ذكرها جماعة من بني هاشم ، كانوا قد حضروا يوم وفاة السيد محمد عليه السلام في دار الامام علي الهادي عليه السلام : " إذ نظرنا إلى الحسن بن علي عليه السلام وقد جاء مشقوق الجيب، حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام بعد ساعة من قيامه ، ثم قال له : يا بني احدث لله شكرا ، فقد احدث فيك امرا فسألنا عنه ، فقيل لنا : هذا الحسن ابنه ، فقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة ونحوها فيومئذ عرفناه وعلمنا انه قد اشار اليه بالإمامة واقامة مقامه " وهذا فيه دلالة على أن الإمام علي الهادي عليه السلام كان قد ستر إمامة ولده الامام الحسن العسكري عليه السلام من بني هاشم ، علويين وعباسيين ، خوفا عليه من القتل من قبل بني العباس.
التاريخ في عمق رواياته ، يؤيد أن للعظماء نهاية بلون المأساة دائما ، وأن فقدهم بطريقة الاغتيال له انطباع يختلف كليا عن من مات بعفوية .. لذا لابد أن نعرف أن تمجيد الصالحين في حياتهم ومماتهم قدرة غيب تمدهم أزليا وتحفظ لهم دورهم على أكتاف جيل الرواية والتاريخ .. وتجعل لهم كرامات لاتخطر على قلب بشر .
وبذلك فان وفاة السيد محمد عليه السلام قد كشفت الساتر عن إمامة الإمام الحسن العسكري عليه السلام، و تعزية الإمام الهادي عليه السلام للإمام العسكري عليه السلام بأخيه السيد محمد أبي جعفر عليه السلام، التي ذكرها الكليني والمفيد والطوسي، بخصوص الرواية التي ذكرناها هي كناية عن عظيم مقام السيد محمد عليه السلام وجليل قدره .
حيث قال شيخ الطائفة الطوسي :
وفاة أبي جعفر محمد بن علي الهادي قبل ابيه من الضرورات.
وقد ذكر في انساب الطالبين ، قال علاّن الكلاني عن وقاره ومعالي أخلاقه: صحبت أبا جعفر محمد بن علي ابن الرضا وهو حدث السن، فما رأيت أوقر ولا أزكى ولا أجلّ منه... وكان ملازماً لأخيه أبي محمدعليه السلام لا يفارقه.
ومن كراماته عليه السلام .. ينقل العلاّمة السيّد ميرزا هادي الخراساني عن السيد حسن آل خوجه عن أحد خُدّام حرم العسكريين بسامراء: كنت جالساً في صحن عتبة أبي جعفر السيد محمّد المقدّسة، فإذا بعربيّ قد أقبل ويده مربوطة إلى عنقه. فدنَوت منه وسألته عن أمره، فقال لي دخلت بيت أختي السنة الماضية، فوجدت فيه شاة مربوطة فعمدت أن أذبح الشاة لآكل منها، فنهتني أختي من ذلك وقالت: إنها نذرت الشاة لصاحب المقام. لكنني لم اعتن بقولها وذبحت الشاة. ثم ظهرت علامات الشلل في يدي حتى علمت أنّ ذلك إنما كان لأمر الشاة. وأنا الآن نادم على فعلي قاصد صاحب هذا المقام. ثم دخل الحرم مع رفاقه وبدأ يبكي ويصرخ، فما مضت ساعة حتى رأيته يحرك يده. فوقع ساجداً ونذر نذرا بتقديم قربان للمقام في كلّ سنة..
وكثير هي كرامات السيد محمد سبع الدجيل ، واجلى كراماته هي قربه من قلوب شيعته ومحبيه وبالاخص اهل العراق .
اضافةتعليق
التعليقات