يتصدر شهر رجب الأصب، ذكراه الطيبة عند بدء الصباح، وأفواه الذكر قد اعتمرت بالأجر، وجداول الخير تطرق أبواب المؤمنين دعوة ميمونة لحضور مائدة الأعمال والصالحات الزاكيات..
تتهيأ القلوب، وتتوجه إلى فتح كتاب الصلاة، حيث الملاذ والاعتقاد.. بأن الله سبحانه أرحم الراحمين، وأن المدى يستقبل عموم الطائعين والقانتين والركع السجود .
لا يدع الايهاب هذا الشهر العظيم، إلا وقد زاده رونقا مبثوثا يتموج بذكر الفرقد وسوسن مخضود بلمسة الياقوت والزبرجد آيات للسائلين.
في شهر رجب، تصب المباهج، وتكتب بدون حساب لمن صلى ركعتين، رحمة مفتوحة الأمد، وخير بدون مقابل إحسانا من الله ورحمة معجلة كانت أو مؤجلة .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
(أنّ الله تعالى نَصَب في السماء السابعة مَلَكاً يُقال له "الداعي".. فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملَكُ كلّ ليلة منه إلى الصباح:
طُوبى للذاكرين، طوبى للطائعين. يقول الله تعالى: أنا جليسُ مَن جالَسَني، ومطيعُ مَن أطاعني، وغافرُ مَن استَغفَرَني. الشهر شهري، والعبد عبدي، والرحمة رحمتي، فمَن دعاني في هذا الشهر أجَبتُه، ومن سألني أعطيتُه، ومن استهداني هَدَيتُه، وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي، فمن اعتصم به وصَلَ إليّ).
الدمع فيه سرمد، والتباكي فمسهد، ومشهد الترتيل له باع طويل لاقتناء المزيد ..
بعض الأفواه مقفلة ، والذنب يمزق البصيرة ، وابصار حبلى بالضعف ، تبحث عن الارتواء ، تجود بنفسها لنهج الغفران لتضع عنها أصرها والاغلال التي كبلتها.
مسكينة هي واقعة الطلب ، تعترف لربها بذنبها وتتوقع .. ولا شئ لها ارخص مثل الدمع ، ولكنه عند الله عظيم .
فصول الوجع مثقوبة الهوية ، تنهمك عمقا كورقة صفراء على أكتاف الهمهمة لا تستقر حتى تجد الدواء لذاك الداء ..
لأن تفاصيل الوقت شاحبة محدودة الاستراحة ، ليس لها طعام إلا من ضريع تستنجد لتجد باب الفتح أو رحمة من عنده .
إن خطوات الدنيا منقوشة بدقة ، نظامها أن لا يتجاوزها الحاذقون ، ولايسهب عنها المؤمنون،
والا، تصيبه الكآبة ، فأعتى حروب الإنسان أن ينتشل نفسه من ظالة التيه ، الى ضياء البصيرة .
في هذا الشهر الأصب، نحتاج إلى نفس عتيدة وليست عنيدة تصر على الذنب وترى المآثم روضة من رياض الاستراحة ، شهر فيه معين بارد المقصد غير آسن يروي النقص فيطريه نورا وبصيرة نافذة.
شهر رجب ، يطبطب على فؤاد المؤمن الداعي ، فينتشله من سباته ، ليحيى من يحيى على بينة ويكتب له أجل لاريب فيه ..
ولا ننسى أن لقرآن هذا الشهر العظيم حكاية أخرى تبدأ فيه القافية بذكره الرحيم ، ولا تنتهي حتى تلد للذاكرة أفواج من خيرات وتأويل فضيل واعتراف بالفلق .
نلتهم من عطر آياته مفارقة جامعة لهمة الصائم الجائع لذكره ، وانتفاضة سامية لخمول النفس عن نوائم شهره ، وأزمة كسل ..
وعن علي بن سالم عن أبيه قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام في رجب وقد بقيت منه أيام، فلما نظر إلي قال لي: «يا سالم هل صمت في هذا الشهر شيئا؟» قلت: لا والله يابن رسول الله. فقال لي: «لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغه إلا الله عز وجل، إن هذا شهر قد فضله الله، وعظم حرمته، وأوجب للصائم فيه كرامته...
فقلت له: يابن رسول الله .. فإن صمت مما بقي شيئا هل أنال فوزا ببعض ثواب الصائمين فيه؟ فقال عليه السلام : «يا سالم: من صام يوماً من آخر هذا الشهر، كان ذلك أمانة من شدة سكرات الموت، وأمانا له من هول المطلع و عذاب القبر.. ومن صام يومين من آخر هذا الشهر، كان له بذلك جوازاً على الصراط.. ومن صام ثلاثة أيام من آخر الشهر، أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده، وأعطي براءة من النار) ١.
في القرآن الكريم ، ملحمة ارتباط بين سعد الإقبال وعافية الحاجة إليه ، لأنه الفيصل وفيه يس والذكر الحكيم .نحن نلتمس الوصل الى روح الرضا وغفران الذنب في شهر الله ، وهذا لا يكون إلا بلغة الخضوع والتذلل والاعتراف بالذنب ، لأن سماحة الصبر تحتاج إلى مساحة من التداوم والتداول حتى يستشعر المؤمن بفيض انوار الله وقوام لطفه .
حتى عدت الفرحة فيه بابا من أبواب الجنة تفتح لمن زادته البهجة فيه ارتباطا وثيقا وطاعة مطلقة فقد جعل الله سبحانه من أبوابه ولادة الائمة عليهم السلام ، لتستطاب النفس وتعيش غرقدا ، ما اعظم هذا العطاء ، غفران مطوي بأنوار آل البيت وجمال قدسهم.. لترتفع مكانة هذا الشهر وشأنه في الأرض والسماء .
فلا يكتمل الشهر إلا بذكر الفردوس من آل محمد لأن الرحمة تتكور في رحم ذكراهم ، لأنهم هم الوطن .
مما زاد حرمة هذا الشهر الأصم ، هو اقترانه بولادات الأمة الأطهار ، وبالأخص ولادة الولاية في النصف من شهر رجب واختتامه بالنبوة ..
اتحدت واكتملت حتى كان علي نفس النبي والنبي نفس الولي .. بصمة توقدت واعطت نموذجا لا يشابهه شي في الأرض والسماء .. وحري بالنداء أن يتكرر .. اليوم أكملت لكم دينكم..
اضافةتعليق
التعليقات