قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}(الحج: ٣٨)، هنا يُذكر معنى دقيق لحقيقة دفاع الله تعالى عن المؤمنين، وهو" إنه ليس بمعنى دفع الأذى الخارجي الدنيوي بل بمعنى دفع الأذى الداخلي على مستوى ضعف الإيمان أو الشك بمعية الرحمن".
فالدنيا دار ابتلاء، والكل فيها تحت الاختبار والاختيار إما أن يُظهروا حقائقهم الخيرة أو الشريرة، يعني لما يكون الإنسان حقًا مؤمناً يدفع الله تعالى عنه كل فعل، وكل ردة فعل تعكس خلاف سلوكه الإيمانية المفترض، أما دفع ظلم الظالمين فهذا خلاف حقيقة كون الجميع في دار اختبار.
ولعل ختام الآية {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} تشير لهذه الحقيقة أي إن الله تعالى يدفع عنهم ما لا يُحب أن يراه فيهم كعباد مؤمنين، فترى الواحد منهم مُحصن إلهيًا [سلوكيًا] فلا يَظلم وإن ظُلم، يَرحم وإن لم يُرحم، يُحسن وإن لم يُحسن إليه، ولا يُسئ وإن أسيء إليه، وهذا وجه من أوجه دفاع الله الخفية -أحيانًا كثيرة- عنا.
و[نفسيًا] إذ إن الله تعالى يدفع عن قلبه كل لحظة قد يُداخِله بها شك أو سوء ظن بأن ربه ليس معه أو ناسيه فسمح للخلق بظلمه أو التسلط عليه، أو عدم حفظه ممن يحاول أن يشوه سمعته، أو كونه غير ناظر إليه إن تعرض للأذى والاستهزاء، لأنها ليست مقياس ووجه حقيقة دفاع الله تعالى عنه كعبد.
فأصل كل أمر سيء/ شرير يحصل في هذه الحياة بين الخلق، ومن بعضهم لبعض هو ما يوصلهم إلى هذه النقطة من ضعف الإيمان وفقدان الاطمئنان بولاية الله عليهم، وهذا وعد من أول أعداء الإنسان لما قال: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (الاعراف:١٦).
بينما حقيقة دفاع الله تعالى هو أن لا ننصرف عنه لنزغ ووسوسة شياطين الجن، كما في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}(الحجر:٤٢)، أو شياطين الإنس، كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173)، ولهذا نجد أن الأنبياء، الأوصياء، الأولياء في أشد حالاتهم ابتلاءً، وظلمًا، وأذى، ماذا يفعلون؟
يلجأون إلى الله تعالى أكثر، يفرون إليه قبل أي أحد، لأنهم يدركون أنهم بكنف الله تعالى بكل أحوالهم وحالاتهم، وهو حصنهم الحصين، لكن من لم يؤمن بذلك تجده يفر من الله تعالى إلى حيث اليأس والقنوط، إلى حيث سوء الظن به تعالى، والشكاية عليه، فلا يصل لشيء غير التيه والضياع!
وهنا يحقق لنا القرآن الناطق مولى الموحدين (عليه السلام) المعنى الحقيقي لمفهوم دفاع الله ومعية لأوليائه، فقد كان في المحراب يصلي لربه، وإذا بأشقى الأشقياء يتقدم إليه مسرعًا ليضربه ضربة كانت تنبئ عن قرب موعد رحيله عن هذه الدنيا.
ماذا كانت ردة فعل الإمام؟ هو لمْ يَقل: يا رب كنتُ في محراب الصلاة مُقبِل عليكَ، في رحابِك؛ لماذا لم تدفع أذى هذا الشقي عني؟ بل قال: "فزت ورب الكعبة" لأن المعنى الذي ذكرناه كان متحقق فيه صلوات الله عليه.
فالأمير (عليه السلام) كان يعرف من هو ابن ملجم، ما هي غايته؟ لأي خط ينتمي؟ فلم يلقي سوء فعله وظهور شرور نفسه على فعل دفاع الله تعالى له، كذلك هو (عليه السلام) لم يعامله بالمثل؛ إذ قال للحسن والحسين (عليهما السلام): "احبسوا هذا الأسير، وأطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، فإن عشتُ فأنا أولى بما صنع فيّ، إن شئتُ استقدت- أي أخذت منه القود وهو القصاص - وإن شئت صالحتُ، وإن متُّ فذلك إليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به"(١).
بالنتيجة هذا باب مهم جداً يشرح للإنسان المؤمن صدره، ويجعله من أهل الاطمئنان فلا يخشى غير مولاه، ومن أهل القرب وإن زويت عنه دنياه، ويبقى متيقناً برعاية من فيما مضى قد تكفله وكفاه، أ فهل اليوم أو في الغد ينساه؟، حاشاه!.
___
اضافةتعليق
التعليقات