حينما نبحث في حياة الإمام الرضا ونتصفح في جوانب مسيرته المباركة، فنقسم حياته إلى ثلاث مراحل: الأولى من ولادته في١٤٨ه إلى استشهاد الإمام الكاظم في١٨٣ه، المرحلة الثانية من استشهاد الإمام الكاظم إلى تولي الإمام الرضا للإمامة في٢٠٠ه، والمرحلة الثالثة من توليه الإمامة إلى استشهاده في٢٠٣ه على يد المأمون العباسي.
فإذا أردنا أن ننظر بواقعية وموضوعية لجوانب حياته علينا أن نتأمل بالتاريخ عن نشأته لننظر أن الإمام الرضا كان ينظر إلى أبيه المسجون المظلوم، حيث أن التاريخ يذكر بأن الإمام الكاظم قضى ١٣ أو١٧عاماً من حياته الشريفة في سجون الهارون العباسي، ينتقل من سجن إلى آخر
ومن طامورة إلى أخرى، وكان الإمام الرضا شاهداً على كل هذه الآلام والعذابات التي كان يتجرعها والده.
نأتي فيما يخص والدة الإمام الرضا ولها ألقاب وكنى عديدة منها: تكتم، الطاهرة، نجمة، أم ولد، شقراء، أم البنين.
كانت جارية اشترتها حميدة أم الإمام موسى الكاظم، وكانت نجمة من أشراف العجم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة، حيث رأت في المنام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لها: يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى، فإنّه سيلد منها خير أهل الأرض، وكانت حميدة تقول لأبنها موسى (ع) إن تكتم جارية ما رأيت قط جارية أفضل منها، ولست أشك أن الله عز وجل سيطهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوصِ خيراً بها، فلما نكحها الإمام موسى بن جعفر (ع) وولدت له الرضا (ع) سماها الطاهرة.
ولد الامام علي الرضا في المدينة المنورة، ونشأ في ظل أبيه الامام الكاظم (عليه السلام) وتلقى على يديه معارفه وعلومه وأخلاقه وأدبه الذي ورثه عن آبائه.
فكان حرياً به أن يكون الامام والعالم والمرشد، ويغذيها بالعلم والمعرفة ويحتل موقع القيادة والزعامة في نفوس المسلمين.
كانت حياته مناراً للمهتدين ودليلاً للسائرين في طريق المعرفة والعلم والتقوى، حقيقة كان كجده علي المرتضى.
فقد وصف رجاء بن الضحاك الذي رافق الامام (عليه السلام) طوال سفره من المدينة الى مرو, عبادة الامام وتقواه فقال:
((فكنت معه من المدينة الى مرو فو الله ما رأيت رجلاً كان أتقى الله تعالى منه ولا اكثر ذكراً لله في جميع أوقاته منه، ولا أشد خوفاً لله عز وجل منه، فكان إذا أصبح صلى غداه، واذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويصلي على النبي حتى طلوع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم حتى الزوال.
كان الامام (عليه السلام) إذا خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير والكبير فيحدثهم ويأنس بهم ويؤنسهم، وكان (عليه السلام) اذا جلس على مائدة الطعام لا يدع صغيراً ولا كبيراً حتى السائس والحجام إلا أقعده على المائدة، وقال فيه ابراهيم بن العباسي الصولي وهو يصف لنا جانباً من أدب الإمام (عليه السلام) وحسن خلقه وجميل معاشرته وسمو إنسانيته وأدب محادثته وحسن استماعه، قال: (ما رأيت أبا الحسن جفا أحداً بكلمة قط، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما رد أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولامد رجله بين يدي الجليس له قط، ولا اتكى بين يدي جليس له قط ولا رأيته يقهقه في ضحكة قط بل كان ضحكه التبسم).
كانت ولادة الإمام الرضا في أيام أبي جعفر المنصور وعاصر من خلفاء بني العباس المهدي
والهادي والرشيد والأمين والمأمون وقد كانت هذه الفترة من اكثر فترات الفكر والثقافة الاسلامية توسيعاً ونمواً، وفيها عاش مؤسسو المذاهب الفقهية.
كان الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) مفزع العلماء وملجأ أهل الفكر والمعرفة يناظر علماء التفسير ويحاور أهل الفلسفة والكلام ويرد على الزنادقة والغلاة ويوجه اهل الفقة والتشريع ويثبت قواعد الشريعة الاسلامية واصول التوحيد.
وقد شهد علماء عصره من فقهاء وحكماء ومتصوفة ومتكلمين اسلاميين من زنادقة وغلاة وملاحدة بغزارة علمه وقوة حجته وتفوق بيانه على خصوم الاسلام في مجالس المناظرة والافتاء ومجالس الحوار والمحاججة حتى أن محمد بن عيسى اليقطيني قال: ((لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب خمس عشرة الف مسألة)).
قد حاز الامام (عليه السلام) كل هذه الصفات فأستحق أن يكون اماماً ومرجع علماء الامة وقادة الفكر واساطين المعرفة، وفي اعلام الورى عن ابي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ولا رآه عالم إلا وشهد له بمثل شهادتي ولقد جمع المأمون في مجلس له عدداً من علماء الاديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي منهم احد إلا اقر له بالفضل واقر على نفسه بالقصور ولقد سمعته يقول: كنت اجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فأذا أعيي الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي المسائل فأجبت عنها.
قال أبو الصلت: ولقد حدثني محمد بن اسحاق بن موسى بن جعفر عن أبيه موسى بن جعفر (عليه السلام) كان يقول لبنيه:
هــــــــذا اخوكم علي بن موسى عالم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم.
هكذا كانت حياته صلوات الله عليه مثالاً يحتذى به في الإيمان والعلم والمعرفة والأخلاق النبوية العلوية.
اضافةتعليق
التعليقات