في هذه الحياة التي قد تتعدد فيها الخيارات، وتتشابه فيها المسارات، وتتفرع وجهات الناس على الرغم من كونهم يَرجِعون إلى نَفسْ الانتماء، يَبقى هناك فاصل دقيق وعميق وواضح لا يُمكن أن يُخفى أو يُمحى لمن كان له قلب ليّن، يتقبل الحق كما هو وبكامل منهجه الإلهي، وعقل واعٍ لا يَحمل تَعصب لعُرف وَرِثه، ولا لانتماء قد يُصَدِقه ويُدافع عنه من أجل مَصلحة شخصية أو مَنفعة مادية دنيوية!.
إذ ورد عن ابن شهر آشوب(١) إنه قال: قال الحَسن بن علي(عليهما السلام) لحبيب بن مسلمة الفهري: [رُب مَسير لكَ في غير طاعة، قال: أما مسيري إلى أبيك فلا، قال: بلى ولكنك أطعتَ معاوية على دُنيا قليلة؛ فلئن قام بكَ في دُنياكَ لقد قَعِد بِكَ في أخِرتكَ، فلو كُنتَ إذ فعلتَ شرًا قلتَ خيرًا كنتَ كما قال الله عز وجل:{خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}(التوبة:١٠٢)، ولكنك كما قال: {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(المطففين:١٤).
الإمام الحسن (عليه السلام) هنا - كما يبدو- يؤسس لخريطة حياة لكل من أراد أن يَسير وهو على بصيرة من أمره، ويَصل لبر النجاة وهو من أهل اليقين، فهذا الرجل الذي كان الإمام (عليه السلام) يُكلِمهُ ممن يَدعي إنه من السائرين على طريق الولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ولكن حقيقة سيره لم تكن كذلك! إذ نفى الإمام (عليه السلام) صِدق مَسيره، فقد كانت قَدمُه تَسير في غير اتجاه، وبوصلة طاعته القلبية كانت متحققة لجبهة الباطل.
فالسَير المُنجي يَتطلب أَن يَكون القلب والقالب كُله يَسير باتجاه الحق ومع أهل الحق، فمن له قَدمٌ في الحق وقَدمٌ في الباطل هذا مِمَّن يُخشى عليه، وهو على خطرٍ، فقد تَكون أخر قَدمٍ يَضعها تكون في جبهة الباطل فينتكس ويهوي حيث عاقبة السوء.
ولهذا الإمام المجتبى (عليه السلام) هداه بتعريفهِ لِعلَة تَذبذبه بَين المَسيرين وهو (رَين قَلبه) على أثر طاعته للسلطة الظالمة، فالتواجدُ بَين الظالمين يُكسِب صاحبه ظلمة تحيط بقلبه، وتورثه ابتعادًا عن نهج الحق وأهله.
ولعل الإمام المجتبى (عليه السلام) وهو العالم على كل حال- بما عَلمَه تعالى بِما في نُفوس الخَلق- قال ما قاله لهذا الرجل لأنه لازال يَحمل ميلاً للحق، وفي قلبه بصيص نور؛ قد يُنقِذُه ليَكون قلبه فيما بَعد كُله مِليء بالنور فيَنجو، وهي خارطة طريق لنا لنَسير بوعي ونحن نَحمل الاعتقاد السَليم والعمل الصالح القويم، فلا نعادي الحق الذي نظن إننا من التابعين له، بأفعالنا وطاعتنا للباطل!.
اضافةتعليق
التعليقات