في هذا الزمان تمر علينا الشهور كأنها أيام من فرط زحمة الأحداث وتطورها بسرعة بالغة تتشعب من خلالها النتائج وتختلط، تاركة فينا آثار تعب وارباك متواصل تشهق له الأنفاس وتخفق لذكراه القلوب. هكذا تمضي ساعاتنا على عجل مخلفة أعوام تكبر فيها ملامحنا دون شعور ونحن نقترب من الرحيل، ولن يبقى منا سوى ذكريات، فهل لدينا ذكرى جميلة من عام مضى؟ وهل نستطيع الحصول على ذكرى مختلفة في هذا العام؟.
2020 عام اختلف عن سالف الأعوام لدى العالم كله، وعلى وجه الخصوص التمسنا الاختلاف المتوهج فيه لدينا نحن العرب المسلمين، حيث تجلت صور الايثار والعطاء والتكافل فيما بيننا بشكل أوسع وأعمق إثر جائحة كورونا التي اجتاحت الارض وحكمت على ساكنيها بحجرهم في بيوتهم، وإيقافهم عن مزاولة أعمالهم بإختلافها ماعدا موظفي الصحة والشرطة ومن لهم دور بالغ الأهمية في بعض المؤسسات بدوام جزئي مع الالتزام بارشادات الوقاية، وقد جادوا بأرواحهم وأجادوا عملهم واثبتوا ولاءهم وانسانيتهم تجاه البلد وأهله.
ونحن في ضيافة شهر الله شهر رمضان، اكثر ما لفت الانتباه فيه هذا العام هو تركيز الفرد على القيام بالأعمال الصالحة أكثر من ذي قبل، فقد إطلعنا على هذه الأمور وفقًا لما يُتداول في "السوشل ميديا" حيث كانت هي حلقة الوصل بين الناس من كل البقاع، وأصبحت الآن إثر هذه الأزمة العالمية الحاصلة "أرض ثانية" ننتقل اليها بأَناة ونوصل من خلالها ما نريد ونصل إلى ما نحتاج، ولهذا صرنا نطلع على كل الأنشطة، والتي منها ما كانت خاصة وصارت اليوم عامة وفق ما تتطلبه المرحلة الراهنة..
واحدة من أبرز الحملات الخيرية المستمرة بالعراق، والتي شاركت في دعم المتضررين من حظر التجول، حملة "مجانًا في الموصل"، التي برز عملها الإنساني الخيري منذ تحرير محافظة الموصل (شمال)، من سيطرة تنظيم الدولة (2014-2017).
في حديثه لـ"الخليج أونلاين" يقول عبدالله اللهيبي، المسؤول عن الحملة: إن "المتبرعين منهم أصدقاء وأقارب وغرباء لا نعرفهم".
وعلى الرغم من أن العمل الخيري دأبت عليه حملة "مجانًا في الموصل"، فإنه "يزداد مع ازدياد الشدائد"، بحسب اللهيبي، الذي أكد أن حاجة محافظة الموصل للتبرعات ازدادت، نتيجة وجود حالة خاصة تتمثل بفيروس كورونا، الذي اضطرت على أثره السلطات الحكومية إلى فرض حظر للتجوال؛ وهو ما أوقف مصدر رزق عدد كبير من العوائل.
وأضاف مسؤول حملة "مجاناً في الموصل": إن "هناك ثقة كبيرة بنا من قِبل الناس المتبرعين"، مشيرًا إلى أن العمل الخيري يؤثر على صحة فريق العمل ووقت أعضائه، مستدركًا بالقول إنها مسؤولية قرر هو وفريق العمل تحمُّلها.
وتابع: "نحن مستمرون في عملنا ولم نتوقف، نسأل الله أن يرفع هذه المحنة ولا نريد أكثر من هذا، خاصةً أن المدينة كبيرة وذات زخم سكاني وبحاجة إلى مساعدات أكبر، لكننا على الرغم من هذا نعمل لتغطية الاحتياجات على قدر المستطاع".
كل ما يمر بنا ونمر به سينتهي عَنْوةً، وقد يترك فينا أثرًا للذكرى. بينما اليوم نحن من علينا ترك الأثر وأثر جميل جدًا لكون الفرصة متاحة لنا من كل الجوانب وعلى قدر الاستطاعة، يمكن أن نقدم المساعدة لعائلة مُحتاجة على الأقل ولو بسلة غذائية. أن نعلم أولادنا حسن العمل والتدبر والتفكر بعيدًا عن الايجاز، ونتقرب من أحبائنا أكثر ونهتم لأمورهم، أن نتفحص صحة عقولنا قبل أجسادنا لنتدارك ما هو سيء، وعلينا أن نذهب لزيارة أرواحنا من الداخل ونطمئن على سلامتها ونفتح سجل الحساب.
إن علينا اغتنام هذا الوقت الثمين من الاجازة المفتوحة المُقدمة لنا دون مُقابل، وعدم هدره في الراحة المبالغ بها، واللهو والتسلية بلا منفعة، قال تعالى في محكم كتابه الكريم: "فما أُوتيتم من شيءٍ فمتاعُ الحياةِ الدنيا وما عندَ الله خير وأَبقى للذينَ آمنوا وعلى ربهم يتوكّلون" (الشورى آية 36).
يجب الاستفادة من المرور بهذه الحقبة حتى آخر ثانية، بما يجعل صفحتنا بيضاء ويقربنا من الله أكثر كي نشعر بالأمان والسكينة وسط هذه الجلْبَة. نحن من نرسم آثار خطواتنا ونحن من نصنع الاختلاف، فلنكن صُناع الخير والأمل والذكر الطيب اليوم وغدًا وإلى مابعد..
اضافةتعليق
التعليقات