قلة هم العلماء الذين يذكرك الله رؤيتهم، العلماء الربانيين الذين جُل همهم إحياء ذكر محمد وآل محمد وبيان عظمتهم، و ربط القلوب بهم، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد:
يا كميل... احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالمٌ رباني، ومتعلمٌ على سبيل نجاة، وهمجٌ رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق فينجوا. تحف العقول، 118.
فها هو أمير المؤمنين صلوات الله عليه يبين بكلامه أهمية العلم والعلماء، وقلة العلماء المتميزين بالطاعة لهم، حيث أفرد بذكر العالم الرباني والمتعلم وأطلق الجمع للصنف الثالث.
فمن صفات العالم الرباني ارتباطه بالمعصوم قلباً ولساناً، عن أبي عبد الله عليه السلام: "اعرفوا منازل الناس منا على قدر روايتهم عنا" والرواية عنهم تكون أيضاً بمتابعتهم واقتفاء آثارهم.
فيكون دأب العالم الرباني الإصلاح وترميم عقائد الناس وتصحيح مساراتهم وإخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والطاعة.
وقد كان سماحة الشيخ فاضل الفراتي من هؤلاء القلة المميزين، فقد اهتم بتربية طلبته على حب محمد وآله والاخلاص لهم والفناء بحبهم وإحياء أمرهم.
ما إن سنحت له الفرصة وسقطت الدولة الظالمة في العراق حتى أسرع بالمجيء لوطنه ومدينته كربلاء، وبادر بتأسيس المؤسسات والهيئات، فهو مؤسس «هيئة محمد الأمين الثقافية»، وهي هيئة خيرية وإعلامية ترعى الأيتام وفيها افتتح معهد الزهراء للعلوم الدينية وخرَّج على يديه طلبة أكفاء، وساهمت الهيئة في تأسيس عدة مؤسسات كقناتي الزهراءوالمهدي الفضائيتين. كما كان يقوم بالتدريس في جامعة أهل البيت.
وامتازت دروسه بالجمع بين العلوم الدينية والتنمية البشرية فكان لها الوقع والتأثير بنفوس طلبته.
وكان سماحة الشيخ ليس أستاذاً ومعلماً فقط لطلابه، بل كان لهم الأب الناصح المعين، فكان يتفقد أحوالهم، ويحل مشاكلهم ويستقبلهم ويجيب على أسئلتهم المختلفة حتى بعد انتهاء درسه، فكان يُقدم النُصح كأب يخاف على أبنائه.
وقد جاءت الأحاديث والروايات الشريفة من الأئمة الأطهار التي تبين مقام ومنزلة هؤلاء العلماء الذين جعلوا هدفهم رعاية أيتام آل محمد وإنقاذهم من الضياع ومن هذه الأحاديث الشريفة ما روي عن إمامنا علي الهادي عليه السلام:
(لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه، بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل) الاحتجاج للطبرسي.
و لقد قامت هيئة محمد الأمين الثقافية الخيرية في كربلاء بعدة أعمال واضحة ومتميزة وذلك من أجل نشر الثقافة الإسلامية.
ومن فعالياتها ونشاطاتها:
- توزيع الكتب الإسلامية على مختلف محافظات العراق ضمن سياقات علمية وإيجاد شبكة توزيع رائدة من خلال النظام الذي وضعته إدارة الهيئة، وتوزيع هذه الكتب على بعض الجامعات والمساجد والمدارس والحسينيات والمراكز الثقافية والدوائر الحكومية وبعض الشخصيات المتميزة.
- عقد جلسات توجيهية وفكرية مع العديد من مدراء المراكز الثقافية الأهلية وبعض التربويين والمشايخ ومن له هم العمل الرسالي.
- طباعة وتكثير المحاضرات الفكرية والإسلامية وتوزيعها على الناس لا سيما طبقة المثقفين.
وكان للهيئة مشاريع ثقافية وإنسانية أسهمت في تعميق الوعي الديني و الفكري:
- إنشاء مكتبات عامة داخل المراكز و المدارس والمساجد والجامعات و....
وقد فاق عددها الـ 1000 مكتبة في العراق.
- الإسهام في رفع الكفاءة العقلية من خلال توزيع الكتب والأقراص والتوجيهات.
- إطلاق حملات دينية على نطاق واسع من اجل ترسيخ بعض المفاهيم العقائدية كأيام الفاطمية ومحرم وغيرها.
- تقديم الكتب كهدايا لبعض الباحثين والطلبة المتميزين أو الفائزين في نشاط علمي معين وخصوصاً طلاب جامعه أهل البيت (ع).
و قدمت هيئة محمد الأمين بعض الخدمات والمعونات والفعاليات التي تحاول تخفيف الصعوبات التي تواجه المواطن البسيط ومنها:
أ - رواتب شهرية للأيتام في مدن كربلاء وبغداد و الحلة.
ب- نشر كتب عقائدية وتاريخية وأخلاقية.
ج - تقديم إعانات ومساعدات للفقراء المرضى.
د - تقديم إسناد مالي وعيني إلى جميع المواكب الحسينية في محرم وصفر في كل عام.
ه - تقوية المراكز الثقافية بالكتب والمحاضرات.
و - مساعده العوائل المهجرة النازحة إلى كربلاء بسبب الإرهاب.
ولسماحة الشيخ مؤلفات عديدة تزخر بعلوم محمد وآل محمد صلوات الله عليهم منها:
*عظمة أمير المؤمنين علي عليه السلام.
*عظمة الإمام الحسين عليه السلام.
*عظمة فاطمة الزهراء عليها السلام.
*المعاهدة بين الامام الحسن ومعاوية.
*هذه هي الحقيقة في شؤون ولاية آل محمد عليهم السلام.
*قصص الأنبياء دروس وعبر.
*علموا أولادكم حب محمد وآل محمد – صلوات الله عليهم أجمعين –.
*دليل الخطباء.
*البيعة بين الحقيقة والوهم.
*علي سر الإيمان.
وغيرها العديد من غير المحاضرات المسموعة والمسجلة.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد:
"يا كميل بن زياد: محبة العالم دين يدان به يكسب الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ومنفعة المال تزول بزواله، مات خزَّان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثلتهم في القلوب موجودة". تحف العقول، 118.
وكان سماحة الشيخ أيضاً حريص على إحياء ليالي شهر رمضان المبارك بالمحاضرات التوعوية، وذكر محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فهنيئاً لك أيها المعلم الفاضل جوارهم، وسلامٌ عليك من أبنائك الذين تكفلتهم وعلمتهم حب محمد وآل محمد.
اضافةتعليق
التعليقات