اتفق كُلٌّ من الاصطلاح والشرع والتأريخ على إعطاء معنى للسبي تحت تعريف واحد وهو: أخذ النساء والأطفال في المعارك إذا ظُفر بهم في المعركة وهم أحياء. وأما أخذ الرجال فيسمّى أسراً .
أما حدود السبي، لا يكون إلا للمحاربين ومَن معهم في دار الحرب من غير المسلمين أما الذين لم يشتركوا في الحرب فلا سبي عليهم .
كما أن الإسلام لم يُبح السبي إلا من المقاتلة الكافرة أو المشركة من النساء اللواتي يشاركن الرجال في الحروب .
حقوق المحاربات المسبيات
وقد وضع للسبيات حقوقاً لا يجوز التجاوز عليها ..
ومن ضمن تلك الحقوق :
١ - حق السبيّة في اختيار الزوج لها، فلا يحق لأحد أن يغصبها على الزواج منه.. ومن أبرز الأمثله على ذلك زواج الرسول (ص) من جويريه بنت الحارث التي أُسِرت في غزوة المصطلق سنة ست للهجرة فهي التي اختارت الرسول (ص) زوجاً لها بعدما كاتبته على ذلك..
كذلك زواج الرسول من صفية بنت يحيى بن أخطب التي أُسرت يوم خيبر وقد خيرها الرسول بين الإسلام وزواجها منه وبين أن تبقى على دينها وعتقها وأرجاعها الى قومها ، فأختارت الإسلام والزواج من الرسول صلوات الله عليه وآله ..
٢ - كذلك من أهم الحقوق التي أكّدها الإسلام للمسبيات هو عدم وطئها دون زواح، وهذا الحق جاء بقاعدة متينة تدعمها نصوص قرآنية شديدة الوضوح وسنة نبوية مبينة، إذ يقول الله تعالى: “وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم“، نفهم من هذه الآية أمراً واضحاً وهو أمر التزويج الذي يشمل الحرائر والنساء السبيات، فلا تجوز المعاشرة إلا عن طريق الزواج، وكذلك قوله تعالى:
“وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا“، والواضح من الآية أن الله تعالى يأمر بنكاح الأسيرات السبيات بعقد صحيح لا أن يتخذوهن بدون نكاح .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله في سبايا أوطاس: (لا يحل لأمرئ يؤمن بالله واليوم الأخر أن يسقي زرع غيره - يعني بذلك إتيان الحبالى من السبايا_ ولا يحل لأمرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يشتريها .
ويروى أن النبي كان يعطي السبايا بنات زعماء القوم إلى كبار الصحابه إذا رغبت السبية بالتزويج
(أي بأختيارها) وكان الغرض من ذلك الزواج هو المحافظة على التكافؤ الإجتماعي وحتى لا تحقد السبية على الإسلام بأنه أذلها وزوجها من شخص أقل منها مكانة .
أفعال داعش ليست من الإسلام
والواضح أن مدعي الإسلام في الوقت الحاضر - والإسلام منهم براء - كالدواعش وغيرهم قد ابتعدوا عن ما جاء به الإسلام وأكد عليه فأخذوا يعيثون في الأرض فساداً ولم يراعوا لذلك الأمر حرمة.. فاعتدوا على النساء دون زواج والإسلام يحرّم تلك التصرفات تحريماً قطعياً .
كما يدعي مناوئوا الإسلام بأن الرسول (ص) كان شغله الشاغل هو الحصول على السبايا وهذا محض افتراء، فالرسول كان يدعوا الأقوام إلى الدخول في الإسلام، ومن يحارب أو يعتدي على المسلمين هم فقط من يحاربهم الرسول، وإذا كانت في تلك الحروب نساءٌ محاربات فحينئذٍ تؤخذ كما الرجل المحارب، ومع ذلك وضع الإسلام لها حقوقاً وحافظ عليها كما أوضحنا سابقاً ..
انسجام السبي الداعشي مع النصوص اليهودية والمسيحية
إن ما جاء به الدواعش هذا اليوم هو ليس من الإسلام في شيء، بل هو توراث من اليهود والنصارى!! فهم فقط من فعلوا ذلك وليس الإسلام، إن سبي النساء المحاربات وغير المحاربات وخطفهن عنوة -تماماً كما يفعل الدواعش اليوم- إنما كان كبار رجال الدين من اليهود والمسيح شرعوا له في الكتب المقدسة، فقد جاء في سِفر التثنية الإصحاح 20 و21 مايلي: ((وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك...
إذا خرجت لمحاربة أعدائك ودفعهم الرب إلهك إلى يدك، وسبيت منهم سبيا ورأيت في السبي امرأة جميلة الصورة، والتصقت بها واتخذتها لك زوجة فحين تدخلها إلى بيتك تحلق رأسها وتقلم أظفارها وتنزع ثياب سبيها عنها، وتقعد في بيتك وتبكي أباها وأمها شهرا من الزمان، ثم بعد ذلك تدخل عليها وتتزوج بها، فتكون لك زوجة)) لاحظ البشاعة في عدم الاكتفاء بالسبي وإنما يتم حلق رأس المرأة المسبية إمعاناً في إذلالها وإهدار كرامتها.. فهل أمر الإسلام بذلك؟!
وكما قنّنوا (أنّ بولس الرسول أمر العبيد بإطاعة سادتهم كما يطيعون السيد المسيح، فقال في رسالته إلى أهل أفسس: «أيها العبيد! أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح». وأوصى الرسول بطرس بمثل هذه الوصية، وأوجبها آباء الكنيسة، لأن الرق كفارة من ذنوب البشر يؤديها العبيد لما استحقوه من غضب السيد الأعظم) فهذه النصوص خير دليل على أن الأسر والسبي للنساء إنما هو موروث يهودي مسيحي توارثه الدواعش منهم وليس من الإسلام كما تبيّن مما تقدّم ..
القانون الدولي يأخذ برأي الإسلام
كما أننا نجد أن القانون الدولي قد أخذ منحى الإسلام في أسر النساء في الحرب وأقرّ بتشريعه حيث وضع عدّة اتفاقيات وعقد عدة مؤتمرات جعل من خلالها القانون الذي يتكفل بحقوق الأسرى والسبايا..
ففي اتفاقيَّة جنيف حول "أسرى الحرب"، حيث جاء في المادّة الرابعة عشرة من هذه الاتفاقيّة الخاصّة بطريقة معاملة النّساء في حال الأسر: "لأسرى الحرب حقّ في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال، ويجب أن تعامل النّساء والأسيرات بكلّ الاعتبار الواجب لجنسهنّ، ويجب أن يلقين معاملةً لا تقلّ ملاءمةً عن المعاملة الّتي يلقاها الرّجال".
وفي النتيجة نرى أن الإسلام بريء مما جاء به الدواعش ومن افعالهم التي ابتدعوها ونسبوها إليه ظلماً وعدوانا -بغية التشويه- بل هو موافق للنصوص اليهودية والمسيحية كما قدّمنا، حيث نجد أن أغلبية النساء السبايا عند داعش لسن مقاتلات، بل مسالمات من المدنيين حيث تم خطفهن مع أطفالهن وأحياناً مع أزواجهن من بيوتهن!!، ولم يفتح لهن باب الدخول في الإسلام، وإلا لشاهدنا يومياً عشرات منهن يدخلون الإسلام في سبيل عتقهن، ولا يأخذون بإعتاق السبايا .
#مصادر هذه الدراسة
1- القرآن الكريم (سورة النور الاية 23 ، سورة النساء الاية 3).
2- الترمذي، سنن الترمذي، ج4 ص 1131 .
3- ابي داوود، سنن ابي داوود، ج3 ، ص 3158 .
4- النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج4 ، ص 18 .
5- الذهبي، سير اعلام النبلاء، ج2 ، ص 236 .
6- ابن سعد، الطبقات، ج10، ص 116 .
7- ابن الأثير، اسد الغابه، ج 7 ، ص 168 .
8- العسقلاني، الاصابه في تمييز الصحابه، ج 8 ، ص 210 .
9- سفر التثنيه، الأصحاح 21، 22 .
10- مجلة ايلاف، سبي النساء بين تبرير الديانات وعدالة الله، خضير طاهر
11- مجلة بيانات، الصادرة من مكتب اية الله محمد حسين فضل الله .
12- وقائع مؤتمر جنيف الدولي الخاص بحقوق الأسرى.
اضافةتعليق
التعليقات