قال تعالى : {يُسَبِّحُ لِلَّـهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}(التغابن:١) كما يُذكر* إن للتسبيح أبعاد عدة وهنا التسبيح يتكلم عن كيف ننزه الله تعالى بخصوص حقيقة كونه الملك، فـ(ما) تعني "كل مخلوق تحويه ظرفية السماء والأرض"، وبما أن المخاطب هنا هو الإنسان فهي تريد أن توصل لنا هذا المعنى أي إن "الإنسان يعيش بين ما يملك وما لا يملك وبين ما يريد أن يملك، فهو من الموجودات التي فُطرت على رغبة اسمها حب النمو والازدياد"، لذا هو لا يتوقف عن طلب المزيد والرغبة في تمَلك ما لا يمْلك. ولكي نفهم كيف نكون من أهل التسبيح، وكيف يستقر معنى مالكية الله تعالى في قلوبنا علينا: اولاً: أن ننزه الله تعالى عن أن يكون له شريك فيما يملك، فنحمده على ما من ملكه ملكنا، ولذا الآية قالت(وَلَهُ الْحَمْدُ) فكما إننا لا يمكن أن ننسب ملك شيء لغيره سبحانه، كذلك الحمد لا يمكن أن يجري على لساننا لغيره، لذا نحن نشكر الوسائط والأسباب سواء كانت إناس أو غيرها، أما الحمد فنحمد الله تعالى أن سخرها لنا. وثانياً: أن ننزه الله تعالى عن أن يكون له شريك في القدرة على تمليكنا ما لا نملك، فندعوه ونرجوه ونأمله وحده في أنه القادر على تمليكنا ما لا نملك. وهنا توجد إلتفاتة جديرة بالذكر هي إن الله تعالى قد وصف نفسه بآية أخرى تقول: {فَتَبارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ}(المؤمنون:١٤)، ومما يفهم من كونه تعالى أحسن الخالقين إن هناك من يتمكن من خلق الأشياء ومنهم الإنسان، أي بمعنى صنع أو ابتكار الأشياء مما سخر لنا تعالى من نِعم، ولكن هذه الخالقية -الابتكار والصنع- لا تعني أن هذا الصانع مالك لما صنع بل بمجرد أن يعطيه لغيره -ببيعه مثلا- يخرج من ملكيته. لكن في خالقية الله تعالى إلى الأشياء والمخلوقات لا يمكن حصول هذا الأمر مطلقاً أي أن المالكية تبقى لله تعالى وحده، يبقى الله تعالى هو المالك للمصنوع ولما صنع منه، وهذا معنى التنزيه الجامع المانع للتسبيح الوارد في الآية والذي يعطي للإنسان قوة وأمن نفسي، فكونه لا يخرج عن مملكة الله تعالى ومالكيته يعني أن أمره كله بيد هذا الملك الذي لا يصدر منه إلا كل جميل سواءً تجاه مملكته أو مملوكته، بخلاف من يكون تحت سلطان وملك مخلوق ناقص مثله، فهو معرض لأن يظلم ويهمش ويهمل. وبذلك نفهم لمَ قالت الآية بعد(لَهُ الْمُلْكُ) وَ(لَهُ الْحَمْدُ) فكوني مملوك لله لا لغيره يجعلني اقر بأنه المحمود لا سواه، وهكذا قد توسط الحمد بين كوني ملك له وبين كونه القدير على أن يهبني ويرزقني مما في مملكته فقالت الآية (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). بالنتيجة كي لا يغبن الإنسان نفسه عليه أن يعيش في هذه الدنيا وهو يدرك قيمته بكونه مملوك لهذا الملك فلا يخاف من هذا أو يتذلل لذاك، أو يضطرب لتقلبات الدنيا وأهلها، فيحرم نفسه من الطمأنينة والسعادة باستشعار إنه في مملكة من بيده الخير كله، ومن ثم يحقق الاستقامة بتثبيت حقيقة إنه مملوك لا ملك، وهكذا سيعمل لخاتمته فمهما طال وجوده في هذا العالم سيقف بين يدي ربه ليحاسبه عما استخلفه فيه وملكه.
اضافةتعليق
التعليقات