في الدول النامية والمؤسسات الناجحة وماضمن الارتقاء لمن حققوا نجاحاً أنهم نظموا أمورهم وساروا بقوانين وُضعت لتضمن السير بخطى ناجحة..
كل الكون يسير بنظام ودقّة لو اختل هذا النظام لخلّف آثاراً سلبية وتسبب بأذى. فاتباع النظام والقوانين التي تخدم المصالح العامة أمر مهم جداً لضمان النجاح والارتياح. ومما سبب فشل بعض الدول وتراجعهم هو عدم التزامهم بالنُظم التي تُنظم حياتهم.
ويؤكد أمير المؤمنين علي عليه السلام في وصيته لولده:.... أوصيكما و جميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغهم كتابي هذا من المؤمنين بتقوى الله و نظم أمركم...". ذكرها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه وأبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين.
في الخمس سنوات التي حكم بها الإمام علي عليه السلام حقق العدالة ولم يجوع أحد بحكمه لأنه يسير بالنظم الإلهية ويطبق ما سار به سيد الخلق الذي لم ينطق عن الهوى. وفي كتابٍ له بعثه إلى عامله على البصرة أيام خلافته قال فيه: "هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ * وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ
أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ أَلَا وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً وَالرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً وَالنَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وَأَبْطَأُ خُمُوداً. وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ". نهج البلاغة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد علِمَ بكفاءة الإمام علي عليه السلام فهو لم يفارقه طول حياته، المطيع له المهتدي بأثره، وأنه الانسان المتكامل الذي لا شائبة ولا نقص يشوبه، فجعله المُبلغ عنه، وجعله كنفسه بين الناس فقال عنه: "لا يؤدي عني إلا أنا أو علي " جامع البيان ج10 ص64 ، وشواهد التنزيل ج1 ص317 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص90 وراجـع: السنن الكـبرى للنسائي ج5 ص128 و 129 وكشف الخفاء ج1 ص205 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص345 و 346 وتحفة الأحوذي ج10 ص152 وأنساب الأشراف ص107 .
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: علي مني مثل رأسي من بدني. المناقب . 92 والخوارزمي في المناقب 87 ، والبحار . 38 / 327
فلو أن صاحب شركة أو مؤسسة أراد أن يُوظف أو يختار أحداً يقوم بأموره أو يكلفه بمهام صعبة وغاية في الأهمية.
هل سيدع موظفي الشركة ينوبون عنه في اختيار هذا الشخص أو أنه يختار بنفسه ويبحث عن الأفضل في كل شيء ويدقق وينتقي من بين كل من يراهم من يكون أكفأ بأداء مهمته.
ولو بحثت عن قائد ناجح عظيم بمسيرته بماذا سيتصف هذا القائد؟
ألا يتصف بالمعرفة والعلم قبل كل شيء، ويتصف بالشجاعة والهيبة والمرونة بالتعامل، وأن يكون أول من يبادر لكل فعل حسن ويمتلك هدفاً وغاية فلا يسير دون معرفة طريقه.
والأهم أن يتصف بالعدالة ونكران الذات والصبر وسعة الصدر وتقوية أتباعه.
كل تلك الصفات اتصف بها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. حيث كان الأسبق والأول في العلم كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عليّ كفه وكفي في العدل سواء. مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري 3/14 – الطبري 2/272 – الترمذي 2/299 – ابن المغازلي 37 – بنابيع المودة 57.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أعلم امتي من بعدي علي بن أبي طالب". الفردوس: ١ / ٣٧٠ / ١٤٩١، المناقب للخوارزمي: ٨٢ / ٦٧، كفاية الطالب: ٣٣٢، فرائد السمطين: ١ / ٩٧ / ٦٦؛ الأمالي للصدوق: ٦٤٢ / ٨٧٠، شرح الأخبار: ١ / ١٢٦ / ٥٨ و ج ٢ / ٣١٠ / ٦٣٦، المناقب للكوفي: ١ / ٣٨٦ / ٣٠٤ كلها عن سلمان الفارسي، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 32.
فعلي عليه السلام لا يتقدمه أحد بعلمه ومعرفته وشجاعته وزهده حيث زهد بالخلافة لعلوه عنها ولضئآلة الناس حوله، وقد قال عمر بن الخطاب: عليّ أعلم الناس بما أنزل الله على محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم).
أخرجه: الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 1/39 ح 29.
ويكفي قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمار بن ياسر: "إن سلك الناس وادياً وسلك علي وادياً.. فاسلك وادي علي ودع الناس.. إنه لن يدلك على ردى ولن يخرجك من الهدى". الجامع الكبير، السيوطي.ح 1112.
كان الأشجع حيث لم يتزلزل في الحروب وأول المتقدمين بها، والوحيد الذي سارع للمبيت في فراش النبي عندما عزمت على قتله قريش.
وفي العدل لم يكن كعدله إلا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي جعله كنفسه. ورسالة الإمام علي عليه السلام لواليه مالك الأشتر اشتملت على النظام الشامل لكل مايضمن سير أمور الدولة بما يحفظ الحقوق ويؤدي الواجبات، مما جاء فيها: "وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك، ويكف عنك من غربك، ويفئ إليك بما عزب عنك من عقلك إياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختال أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان لله حرباً حتى ينزع ويتوب. وليس شئ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد."
فكان قائداً فذاً لا يعلو مقامه أحد ولكن نفوس ضعيفة طامعة لم تقنع بنعم تُحيطها أرادت الدنيا فقط فلم يعجبها عدله، ولم تهتم لحق غيرها، فسعت للسلطة والمال وخالفته ولم تتبعه.
وبهذا يقول علي عليه السلام: إن كل آية أنزلها الله في كتابه على محمد عندي بإملاء رسول الله وخطي بيدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد وكل حلال أو حرام أو حد أو حكم أو أي شئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش.... ولو أن الأمة منذ قبض الله نبيه اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغداً إلى يوم القيامة. كتاب سليم بن قيس
اضافةتعليق
التعليقات