يُقال السفينةُ إذا كَثُرَ ملّاحوها غَرقتْ، مثالا على تحكم عدة أمور بأمر واحد، وكناية على الفوضى المتأتية من كثرة المسيرين لذلك الأمر مما يجعل النتيجة على شفا جرفٍ إن لم تكن فيه.
التعليم من أهم السفن التي من الضروري اختيار من يتحكم بها لكي تصل إلى بر النجاح، وهو من أكثر المفاهيم دقة وحساسية لذلك لا بد من توفر قائد حكيم يتحكم بزمام أموره وتوزيع المسؤوليات والمهام كلٌّ حسب قدراته وكفائته، لأن مادة ذلك المفهوم هي العقل فقيادته وتوجيهه يحتاج إلى تعاون بين جميع الأشخاص الذي يتلقى منهم مادته، ألا وهم الأسرة والمدرسة، فالأسرة هي المنتج الأول لجودة هذا الفرد تتبعها المدرسة، فعندما يحدث تقصير في مرحلة الانتاج الأولى لا بد ان تتداركها المرحلة الثانية وإذا الثانية تعاني من فقر من جميع مرافئها، سيتحول المجتمع إلى همج رعاع ينعقون مع كل ناعق بتعبير أمير المؤمنين (عليه السلام)، لأن الانسان بلا علم وبلا وعي وثقافة سيصبح مسلوب الإرادة فهو مسير عقلا، ما إن يكذب عليه أحدهم بكذبٍ منمق حتى اتبعه دون أن يتأمل بكلام المقابل.
فبعد أن كان التعليم بالعراق في المراتب الأولى عالميا أصبحت الشهادة العراقية في زاوية عدم الاعتراف، هذا ما جناه أبناء العراق على انفسهم حيث لم نضع كلٌّ في مكانه المخصص حيث وزير التربية شهادته الأصلية الصيدلة ومن هو متخصص بطرائق التدريس يعمل أعمال حرة.. والخ من الأمور، ونجد أن كثيرا من المدرسين والمعلمين تكاد أرواحهم تزهق في الدرس بسبب عمره الكبير وعدد الطلاب الأكبر فليس له مزاج حتى بالتدريس والطاقات الشابة نائمة تتحسر على فرصة، وفوق كل ذلك مشكلة أخرى تظهر إلى الميدان ألا وهي تدخّل العشائر في قضايا التعليم.
في الآونة الأخيرة نجد مَدرسة مطلوبة عشائريا ومعلم كذلك وأخرى بسبب كلمة تُطلب أيضا والمبالغ التي تدفع والفصول وهذه الأمور التي لولا غياب القانون وضعفه لم نجدها تتفشى في شتى ميادين المجتمع، قوانين العشائر كانت موجودة سابقا ولها احترامها ومواقفها التي يمكن أن تحسب لها في حل كثير من العقد، لكن استشراء على مستوى التعليم أمر يذهب بكرامة المعلم وهيبته حيث يخشى أن يؤدب طالبا أو يعلمه بحدية لأنه سيتقاضى عشائريا، وهذه الحالة جعلت الطلبة متمردون على أساتذتهم، ويعاملوهم بلغة التهديد بتلك العشيرة ضاربا بعرض الحائط كمية الأحاديث التي ترفع من مكانة المعلم حيث ورد (من علمني حرفا ملكني عبدا).
وكم الأمور الاخلاقية التي تنافي ذلك المبدأ القائم على حكم العشيرة، والوصايا التي جاءت عن طريق أهل البيت عليهم السلام حيث يقول الامام زين العابدين في رسالة الحقوق في حق المعلم: (وأما حق سائسك بالعلم فالتعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والاقبال عليه، والمعونة له على نفسك، في ما لا غنى عنه، بأن تفرغ له عقلك، وتحضره فهمك، وتذكي له قلبك، وتجلي له بصرك، بترك اللذات ونقص الشهوات، وأن تعلم أنك في ما ألفي إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم، ولا تخنه في تأدية رسالته، والقيام بها عنه إذا تقلدتها).
فمن الضروري أن نعيد تلك الهيبة والاحترام للمعلم والمدرس العراقي من جديد للننهوض بالتعليم حيث هو الخطوة الأولى لبناء مجتمع عانى ما عانى في ظل الاحتلال وما بعده من مشاكل السياسية منها والاجتماعية.
اضافةتعليق
التعليقات