حي على العزاء، نداء وفرض تؤمن به الروح ويؤكده العقل، وتختمه الجوارح فعلا وعملا حبا وكرامة لسيد الشهداء، أبا عبدالله الحسين بن علي (عليهما السلام).
فتحيا الكلمة، وتواكبها المواساة دموعا وترتج الصدور وجعا وتستسلم كل الانطباعات لمبدأ العزاء .
اليوم وكما هو الأمس، تنتفض أرض كربلاء لبدء المسير، ومهرجان العشق الحسيني، منبرا ترتجف له الشفاه يكسوها غبار العطش وهجير الفلق، وعاديات الطريق صورة لا تفارق الكتاب .
عن عبدالله بن بُكَير، عن عبدالله بن زُرارةً «قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إنَّ لزوَّار الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) يوم القيامة فَضلاً على النّاس، قلت: وما فضلهم ؟ قال : يدخلون الجنّة قبل النّاس بأربعين عاماً ، وسائر النّاس في الحساب والموقف».
تبدأ القلوب حكايتها مع نبض المسير وكأنه مسيح التلاوة تبحث عن أفواج للعهد وترابط الهمم في أول ساعات الحزن تتوجم الوجوه وتكتسي الفواتح قامات السواد، وتبكي الجداول جزعا لذبح الأولياء وحواليها فرات ساخن يلفظ دما طاهرا، وكأنه شلال ثائر ينتشي من السماء برزخا بعطف الملائكة ونقاء الحور ..
عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) اُحدِّثه، فدخل عليه ابنُه فقال له: مَرْحباً ، وضَمَه وقَبَّله ، وقال : حَقَر اللهُ مَن حَقّركم ، وانتقم مِمَّن وَتَركم ، وخَذَلَ الله مَن خَذلكم ، ولعن الله مَن قتلكم ، وكان اللهُ لكم وليّاً وحافظاً وناصراً ، فقد طال بُكاء النِّساء وبُكاء الأنبياء والصِّدّيقين والشّهداء وملائكة السَّماء ، ثمَّ بكى وقال: يا أبا بصير إذا نظرتُ إلى وُلْدِ الحسين أتاني ما لا أملكه بما اُتي إلى أبيهم وإليهم ، يا أبا بصير إنّ فاطمة (عليها السلام) لتبكيه وتشهق ، فتَزْفِر جهنَّم زَفْرَة لولا أنَّ الخَزَنة يسمعون بُكاءَها وقداستَعدُّوا لذلك مَخافة أنْ يخرج منها عُنُق أو يَشْرَر دُخانها فيحرق أهل الأرض فيَكْبَحونها ما دامَتْ باكية ، ويزجُرونها ويستوثِقون من أبوابها مَخافةً على أهل الأرض، فلا تَسْكنْ حتّى يسكن صوتُ فاطمة عليها السلام .»
تكتوي النفس وتتهيج الأفئدة لمصاب الفراق تتعذب تحت وطأ القصيد ، يلتوي الحزن في جام التراب وذرٌ يشابه اللهيب حزنا عليه من عالم التمكين .
تفصح الثقافة ودفتر الميثاق يكتب صبرا واحتسابا لشخص الوتر فهو المبدأ الذي لايميل إلى سفاهة الحطيم ، ورداءه الحرية ، فبيت الفقر ذل هو لباس الظالمين على مر الأجيال.
في جيب الدمعة، عشق أزلي، قد وثقه الأكبر من كل باب، وبعض من ثوى من أهل المعاد ، نساء وأطفال وأصحاب، تراث قد استمد وجوده من عرش الأنبياء وحرفهم الصادق بكرة وعشيا كلهم فداء لبيت الكساء.
تعددت الأسباب، والشفاء واحد دون عتاب ..وزينب عنقود من الجنة ترمم جراح الذنب ، وتروي عطش النفس صبرا عقيلا لأهل اليباب. اذا سجدت سجدوا ، وإن نطقت خضعت لها الرقاب، هي ثمر الاناقة وعفة الحجاب.
ولا ننسى أن للعباس سهم في العذاب.. عين منه تبكي سكينة، وأخرى تبصر القراب.. هو وطن من الكفالة لكل أخت وامرأة تشكو، هو اللواء الذي تحدى قلم التقصير ؤأشار إلى فضيلة المنهج وانصهار العبادة في الولاية والكف الذي تعدى عنق الزكاة وأعطى من الخيرات وأضحى يمين الدين بإختياره..
هو القول الثابت في كل شدة والهامة التي افترش دمها ساحة التوطين فاصطبغت الأفكار منه همة وعزة وإباء …
نعم نبكي، ونلطم ، نحرر صدورنا من ثقل التقصير وضعف النفس، نهب أسماعنا رشفات من عقيدة ومصاب الطف فرض أعلنه السماء على كل من يقتدي بالحسين، لأن أهل الذكر مفتاح المواطن والبواطن وإكليل لمقال التسبيح، نبكي ونبكي ونصرخ حتى تمتزج الآيات في حناجرنا وتذوب المقل وتصنع المعجزات..
نلتهم البكاء عنوة حتى يستقيم كل شاب، نطبر هاماتنا حتى تخجل نواصينا وتتعفف ذواتنا وتلتزم فتياتنا، نمرغ أنوفنا بنسيم التراب لينزاح كل شك وريبة من عنق الشهاب، لتغتسل أفكارنا وتبقى ثوابتنا ويشرق الفرج عاجلا.. ليتربى أطفالنا على ضحى أحلامنا الممزوج بحب المولى الحسين (عليه السلام) فتجلو البصيرة وتنعم صغارنا بتأريخ هادئ قويم رافضا للاستهتار ..
كل عام وحرب الكلمة والإعلام له نسيج مختلف، وقوافل الخير، قيم تطعم الصغير والكبير، الغني والفقير وعلى مدى مد بصر الحرير وشاح يمتزج تحت ضيه فتية آمنو بربهم، غسول مطعّم بالدمعة وطبل الهمة يتجدد على البيعة إلى حين الأجل .
وليعرف القاصي والداني، والكاهن والعابد، وكل من قرأ التوحيد في مبدأ الصلاة، أن الحسين (سلام الله عليه) فكر في نهجه، حق في قوله، تجارب وعبر ثورته فباتت لكل شيء مثلا، فلا يستقيم فعل إلا بحبه وإحياء أمره، لأن المواساة سربال كل شيعي رافضي لأعداءه.. وعليه فليبكي الباكون وإياه فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون .
اضافةتعليق
التعليقات