في مسيرة الحياة علينا اتخاذ قرارات في أمور حياتنا وتعرف عملية اتخاذ القرارات هو عملية الاختيار الناجح بين قرارين، أمّا المقصود به كمصطلح في مجال العمل، فهو القدرة على الاختيار بين حلّين أو أكثر لمشكلة معيّنة، حيث يعتمد اتخاذ القرار على أحد العاملين التاليين أو كلاهما وعرّف برنارد اتخاذ القرار بأنّه: "عملية تقوم على الاختيار المدرك للغايات التي تكون في الغالب استجابات أوتوماتيكية، أو رد فعل مباشر، في حين عرَّفه عبد الكريم درويش بأنّه: "الناتج النهائيّ لحصيلة مجهود متكامل من الآراء، والأفكار، والاتّصالات، والجدل، والدراسات التي تمّت في مستويات مختلفة في المُنظَّمة".
وتختلف قدرات البشر على اتخاذ القرارات. بعضهم يحسم قراره بسرعة كبيرة، بينما يحتاج آخرون إلى مزيد من الوقت، وهناك من يواجه صعوبة في اتخاذ القرار أمام خيارات متاحة أمامه، وهو ما يمكن وصفه بـ"شلل القرار".
ثمة عواقب عدة لـ"شلل القرار" في حياة الفرد الأسرية والعملية، إلى جانب تأثيره على الناحية الصحية، فما أسبابه، وكيف يمكن التغلب عليه؟
ما "شلل القرار"؟
تعرّف المستشارة في العلاقات الزوجية مها بنورة "شلل القرار" بأنه عدم قدرة الفرد على اتخاذ القرار، خشية وقوعه في الخيار الخاطئ، وأوضحت للجزيرة نت أن لذلك "الشلل" عدة أسباب:
أولا: وجود خيارات عدة في حياة الفرد يصعب المقارنة بينها لاختيار ما هو مناسب لوضعه وبيئته ومعتقداته.
ثانيا: عدم تدريب الفرد على عدد من المهارات، مثل: التفكير الإبداعي والناقد، اتخاذ القرارات وحل المشكلات. ويعود ذلك إلى نمط تربية الفرد في بيئة الأسرة والمدرسة والجامعة، وخبرات العمل وعلاقاته الاجتماعية على المستوى العائلي والمهني والدراسي.
وترى بنورة أن من أهم أسباب "شلل القرار" عدم تربية الأبناء على الاستقلالية في التفكير وتطويره منذ مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد، والتدخّل الدائم في حياة الأبناء والحماية الزائدة لهم، ما يؤثر سلبا في حياة أبنائهم عند اتخاذ قرار الزواج، مثلا.
آثار "شلل القرار"
نشر موقع "فوريكاست" (forecast) تقريرا عن الآثار السلبية لـ"شلل القرار"، معتبرا أن الإخفاق في اتخاذ القرارات المناسبة له عواقب عدة على أرض الواقع. وفيما يلي بعض الأمثلة على تأثيره على عملك:
انخفاض الإنتاجية والتأخير: يمكن أن يؤدي تأخير اتخاذ القرار، أو الإخفاق في اتخاذ القرارات تماما، إلى تأخير في العمل. إذا كنت تماطل بشكل متكرر وتؤخر العمل، فأنت لست منتجا. وقد يترتب على ذلك نتائج خطيرة، لا سيما عندما يعتمد عمل الآخرين على قرارك.
الصحة النفسية: قد يكون لـ"شلل القرار" تداعيات على صحتك العقلية، إذ ليس لدينا قوة إرادة عظيمة. كما أن إنفاق وقت طويل على اتخاذ القرارات قد يكون مرهقا عقليا ونفسيا.
الإفراط في التفكير يقلل من التفكير الإبداعي: في كثير من الوظائف، تُعد القدرة على التفكير الإبداعي أمرا ضروريا لنجاحك، والإفراط في التفكير يقلل من قدراتك الإبداعية.
"شلل القرار" في الحياة الأسرية
تعدّد بنورة مجموعة من الصور السلبية لعدم استقلالية الأبناء، مثل لجوء الأهل إلى فرض قيود على طريقة عيش أبنائهم، وتحديد شكل الحياة التي يجب أن يعيش بها الابن أو الابنة، وعدم السماح للزوجين الجدد باتخاذ قرارات خاصة في حياتهم الزوجية، فيخوضان خبرات سلبية ويعيشان في صراع دائم بين إرادتهما وإرادة الأهل.
وتضيف "من المؤسف حقا وضع الزوج بين أهله وبرّهم وبين حياته وسعادته واستقلاله مع زوجته. وهنا يصبح الضغط الأكبر على الزوج، فيضطر أحيانا إلى الرضوخ للضغوط ليكون مقبولا في منظومة العائلة. وهنا، يصل الزواج إلى طريق مسدود، ويصبح حل المشكلة: الطلاق، أو الخروج عن المألوف والعيش خارج منظومة العائلة والأعراف والمعتقدات".
وتشير إلى أن المشكلات والخبرات السلبية التي يمر بها الزوجان، من لحظة التعارف والخطوبة والزواج والقيود المفروضة عليهما بسبب تربية الأهل والمعتقدات والأعراف، تولّد ضغوطا نفسية كبيرة يكون لها الأثر السلبي على مناعتهما النفسية والجسدية، والتي تؤثر سلبا على حياة الأطفال، في حال العيش في منظومة متكرّرة من المشكلات والضغوط.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى عدم إحساس الزوجين بالأمان والقبول من العائلة، بالإضافة إلى القلق والتوتر وقلة التركيز وتدني المستوى الأكاديمي والاكتئاب. عندها، يحتاج الأمر إلى مستشار نفسي أو سلوكي أو أسري لتقديم الرعاية المناسبة للزوجين ولأفراد العائلة.
كيفية التعامل مع معوقات اتخاذ القرارات
أخذ وقت كاف في التفكير:
بهدوء وعقلانية وبعيدا عن الانفعالات وسوء المزاج، تأمل في الآثار المحتملة لهذا القرار. فلا تجعل اللحظة تسيطر عليك بل ارحل بخيالك وتصوراتك إلى المستقبل وتأمل هذا القرار، فقد يكون هناك أمرا لم تره.
معرفة وتحديد المشكلة:
يقال: "المشكلة المعرفة جيدا هي مشكلة نصف محلولة"، لذا فالتشخيص السليم للمشكلة هو نصف الحل. فليكن تعريفك واضحا ومحددا بكلمات قصيرة؛ لأن ذلك يشكل أساسا لتحليلها وإيجاد الحلول المناسبة لها. حيث يعتمد نجاح كل خطوة قادمة على نجاح هذه الخطوة.
جمع المعلومات وتحليل المشكلة:
المعلومات هي القلب النابض لعملية اتخاذ القرارات، وصحتها وجودتها تعد الدعامة الأساسية لصنع القرارات؛ إذ إنها تفيد في تحديد المشكلة، وتحديد البدائل، وتقييمها واختيار الأنسب من بينها. قد لا تتوفر المعلومات بالدرجة الكافية لعدة أسباب منها: جمعها من أشخاص أو أماكن غير موثوقة، جمعها تحت عامل ضغط وضيق الوقت فلا يراعى فيها الدقة، لاختلاف القيم والمعتقدات بين كل من متخذ القرار ومن يجمع له المعلومات أو من يستشيره، أو بسبب كثرة المعلومات المتضاربة وغير المفيدة.
عملية اتخاذ القرار تولد من جمع المعلومات، ومعرفة الأسباب الحقيقية، وتحليلها بعمق، فاحذر أن تقفز إلى حلها قبل تحليلها. لذلك، اجمع المعلومات والبيانات الدقيقة من أكثر من مصدر موثوق، وحدد أحسن الطرق للحصول عليها.
وضع الحلول والبدائل:
أحيانا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، لذا يجب أن يكون لديك اختيار واضح وآخر بديل في كل الحالات؛ لتقلل من نسبة المخاطرة، وتكون مستعدا لكل ما يطرأ. فلتأخذ وقتك في هذه الخطوة حتى تصنع قائمة تتضمن جميع الحلول الممكنة.
تقييم وفلترة الحلول والبدائل:
بعد جمع كافة المعلومات ووضع البدائل، قم بتصفيتها بعناية حسب الأمور المهمة لديك، أو الاهتمامات الشخصية. فقرارك لا بد أن يتفق مع قيمك واهتماماتك واحتياجاتك؛ كي تنتظم حياتك وتسير كلها في مسار واحد بعيدا عن التشتت.
معرفة عواقب كل اختيار:
إن القرار الصائب يكون بمعرفة الآثار، فمعرفة السلبيات والإيجابيات والموازنة بينهما تمنح المرء القدرة على اتخاذ القرار المناسب؛ لئلا يقع في أخطاء كان ممكن أن يتم تفاديها.
اختيار البديل الأنسب:
هنا الاتخاذ الفعلي للقرار، بترجيح الأفضل من الخيارات الممكنة والمتاحة التي تناسب قيمك واهتماماتك واحتياجاتك الحقيقية.
معالجة التردد والخوف عند اتخاذ القرار
الخوف أمر طبيعي ومتوقع؛ لأن عملية اتخاذ القرار تتعلق بأمور مستقبلية. وينبع هذا الشعور من أسباب عديدة كعدم وضوح الهدف في ذهن متخذ القرار، أو ضعف القدرة على تحديد النتائج المتوقعة لكل بديل ومن ثم عدم ترتيبها حسب أولوياتها، أو لقلة الخبرة في الحياة أو العمل. والخوف هنا ليس هو المشكلة، إنما التحدي في كيفية التعامل مع هذا الخوف. لذلك يجب تطوير مهارة اتخاذ القرار بحسب الخطوات أعلاه مما يؤدي إلى التحكم في الشعور بالخوف لدرجة كبيرة. وفى حالة استمراره، يجب الاستعانة بالموجه أو المرشد المهني أو الاستعانة بخبرات من مروا بتجارب شبيهة.
التنفيذ والمتابعة:
وضع خطوات عملية في إطار زمني للتنفيذ، ومتابعة تطبيقها، ووضع إجراءات تفصيلية للتطبيق. كأن تقول مثلا: إن الخطوة الأولى هي كذا والخطوة الثانية هي كذا، ثم توقع المخاطر وحاول منعها أو تقليلها.
وختاما، إن تعلم مهارة اتخاذ القرارات الصائبة أمر يحتاج إلى الممارسة والملاحظة والتقييم والتحسين المستمر. فلا بد أن تكون هناك بعض الآثار والتجارب غير المحببة التي تعلمنا كيفية التغلب على معوقات اتخاذ القرارات. لأن ذلك في النهاية يجعلنا نأخذ قرارات أفضل وبالتالي الوصول إلى حياة مهنية أكثر نجاحا.
اضافةتعليق
التعليقات