كنتُ أُرتب خِزانتي كعادتي يومًيا فلو تركتُها يومًا من دونِ تنظيم تبعثرت وكلما زادات الأيام زادت البعثرة فلا أعد أميز بين قطع ملابسي، إضافة إلى التجاعيد التي ستُصيب القطع وهذهِ مشكلةٌ أُخرى. فكرتُ حينها أن لو ركزنا على تنظيم دواخلنا والنظر لقلوبنا كل يوم على ألا يمسهُ تُراب أو لَوث كما نركز على تنظيم خزانة ملابسنا خوفًا من التباس بعضها ببعض وتجعيدها لما وصلنا إلى هذا الحال.
في هذهِ الأثناء وردني إتصال من صديقتي "س" وقد تكرر اتصالها عدة مرات في الأيام الماضية ولكنني كالعادة منشغلة بأمور أكثر أهمية، وجدتها فرصة للرد مادام الوقت مناسب وبعد السلام والتحية والسؤال عن الأحوال يتخللهُ بعض العِتاب الممزوج بكلام حاد بعض الشيء، ولكنني لم أبالي فهذهِ هي عادتي في كل سنة في شهر رمضان الانقطاع عن الجميع وعليها تقبل ذلك كما تقبلهُ الكثير من المعارف.
كسر ذلك العتاب التطرق إلى أجواء العيد وتحضيراته، فقالت لي لقد تم تحديد الذهاب لمكان معين في العيد قالتها بكل حماس.
قلت: أين.
قالت: إلى تركيا ولكن أنا في حَيرة من أمري فالوقت قصير ووقت السفر هو مساء اليوم الأول من العيد.
قلت: أين الحيرة في الموضوع؟
قالت: عليَّ أن أشتري بعض الملابس.
بدأت تُرسل لي بعض الصور لأزياء عديدة قد أوصت عليها وتم حجزها لها من بعض المتاجر.
كانت أزياء فاضحة ولاتليق بنا نحن بنات العراق وكربلاء قطعًا. صُدمت لما رأيت، ولكنني هَدأتُ نفسي بقول إذا كانت العباءة فوق هذا الزي ليس جيد ولكن لاداعي للجدال معها، ابديتُ رأيي بشكل سطحي.
ثم أردفت قائلة الحمدلله إنني من النوع الذي ينحف في رمضان ففتيات تركيا هناك قوامهن عالي وهذهِ الملابس بحاجة إلى قوام جيد.
قلت لها مباشرةً وأنا أبتسم العباءة كفيلة بإخفاء ماهو زائد ياعزيزتي.
فرَدت بنبرة حادة وبهذهِ الطريقة
_ياعباية يمعودة ترة رايحة لتركيا اني مو للنجف لو للزيارة، جمال هالأزياء أضمه بالعباية تحچين صدك.
ثم ضحكت.
لم أستطع أن أرد بأي كلمة فقد باتت الكلمات لاتتجمع لدي.
تحججتُ بمناداة والدتي لي وقلتُ لها علي الذهاب. ولكن إنتبهي لحصادكِ أن يضيع ثم أغلقتُ الهاتف.
مازلتُ مذهولة بالتفكير الذي توصلنا لهُ.
حتى وردني إشعار بصمة صوتية من أحد معارفي.
فتحتها مباشر علني أخرج من هذا الجو فهذهِ المواضيع تُثير أعصابي وتتلف قلبي وتُثير الشجن في روحي.
وكان محتوى الحديث في البصمة لايقل ذهولًا عما سمعت للتو فقد كانت تقول: _لقد أشتريت مساحيق تجميل من براندات عالية سأبعثها لكِ إنها تناسب البشرة وقد غيرت من لون بشرتي كثيرًا وتتناسب مع أجواءنا إذا خرحت بالعيد إلى مدينة الألعاب الفلانية والمتنزه الفلاني و والخ.
مساحيق تجميل!
ملابس فاضحة!
إضافة إلى جَلسات تُقيمها الكثير من العوائل في أيام العيد لتجمع العوائل ويبدأ المزاح والكلام الذي يُلوث الروح مع أولاد العم والأخوال والأصدقاء. مع حلوى العيد المشورة عند النساء ماذا فعلت فلانة وماذا قالت تلك وتبدأ الغيبة والنميمة والنفاق الذي لو بدأ لاينتهي إلا عند أعتاب الباب من دونِ ملل.
ما أخبار الحصاد الذي حصدناه في شهر رمضان كيف يضيع بمجرد لحظات يوم واحد كفيل بخسارة حصاد شهر فيهِ أيام خيرٌ من ألفِ شهر.
ماهذا الخسران الذي لاتعويض له.
إن كانت عبادتنا تجارة فأين الربح والمحصول؟
إن كانت عبادتنا خوفًا فأين التوبة والوعود؟
إن كانت عبادتنا حبًا فهل للمحبوبِ إن يُعصى!؟
هل رأيتَ محبوبًا يعصي حبيبه؟ هل رأيتَ عبدًا يُقاتلُ ربهُ بما أعطاه؟
ألم تتعض من آيات الله في كتابهِ الكريم
ألم تتعض من الإعتراف الذي قدمتهُ في دعاء أبي حمزة الثمالي وأنت تقول "فبحلمك أمهلتني، وبسترك سترتني، ومن عقوبات المعاصي جنبتني، حتى كأنكَ أستحييتني"
ألم تقطع عليه الوعد، ألم تتوب، ألم تذكر آلآئه وأسمائه وتترنم بها شفتيك وقلبك في دعاء الجوشن الكبير؟
ألا تُعد تلكَ من الخسارات الفادحة التي يجب على الإنسان ألا يدنو لها وأن يُحاول الحفاظ على ماجنى.
لو كانت تلك صفقة في تجارة معينة وقد ربح بها الإنسان الكثير من الأموال لما أستغنى عن الإنتباه لكل لحظة حتى لايخسر ماحصد وما بذلهُ من جُهد في تجارته تلك.
لذا ونحنُ على أعتاب نهاية الشهر الفضيل علينا أن نحرص على ألا نُعد من الخاسرين بل من الفائزين. حاولوا الحفاظ على الحصاد، تأتي الفيوضات والسداد.
اضافةتعليق
التعليقات