(ولقد كرمنا بني آدم) إن القانون والكرامة واحترام حقوق العمل أصبحت اليوم مفقودة في المؤسسات وقد نحتاج إلى اعادة هيكلية الادارة من حيث ضبط المسؤول عن الحقوق والواجبات ومعرفته بهذه الأيادي العاملة وما عليها من فضل في تيسير عمله وخروجه بصورة مناسبة مع تحمل ضغوطات العمل والساعات من الجهد .
فيبذل الإنسان من جهده ونفسه وعقله حين يشعر بالكرامة ما لا يبذله المُحتقَر والمُهان بدرجات.
كم هو محزن أن نضطر للحديث عن أهمية كرامة العاملين كعنصر أساسي في الإدارة، وسط من يُفترض أن تكون منظومتهم الأخلاقية مبنية على تعاليم الدين الذي جعل كرامة المؤمن وحرمته أعظم من حرمة الكعبة الحرام بسبعين مرة. لكنّ الذكرى تنفع المؤمنين، وإعادة النظر في طرق إدارتنا ضرورية.
يكاد يتفق الجميع على وجود ضعف في الإنتاجية في معظم المؤسسات. إن لم يشعر المدراء بذلك، فلأن الأهداف المطلوبة غير محددة، قبل أي شيء يفترض أن نرسم أهداف مؤسساتنا على ضوء الأهداف المثالية.
الأهداف المثالية هي التي ترتبط بعالم الممكن ولو كان بعيد المنال .وتشكيل الهيكلية المناسبة، وغيرها.
الهدف المطلوب هو الضوء الذي نسلّطه على مؤسساتنا وأعمالنا الإدارية من أجل تطويرها وتحسينها وتقويتها. في غير هذه الحالة، يفقد المدراء القدرة على تشخيص نقاط الضعف والمشاكل والأخطاء، لعل هذا ما يفسر عدم وجود إدراك دقيق لأهمية الكرامة ودورها المحوري في نجاح المؤسسات والإدارات. كيف للمدير أن يكتشف ضعف الإنتاجية، إن لم يكن لديه تصورٌ واضح عن الإنتاجية المطلوبة .
لا يهتم المدراء بقضية رضا العاملين عن وظيفتهم ودورهم، طالما أنهم لا يرون أن لمثل هذه الحالة النفسية مدخلية مؤكدة وأساسية في تحسين الأداء.
أما تحسين الأداء فلا يصبح الهم الأكبر حين يصبح الأداء بحد ذاته هو المطلوب دون الإنتاجية. مقولة علينا أن نؤدي واجبنا والباقي على الله، غالبًا ما تُستعمل كلمة حق يُراد بها باطل.
كرامة الإنسان ليست شيئًا يمنحه القادة والمدراء للعاملين ويمنّون بها عليهم، إنها حق إلهي ثابت وركن أساسي في شخصية الإنسان.
ما دام العامل ملتزم بالتقوى الظاهرة ولم يهتك حرمات الله، فإن كرامته من كرامة الله تعالى، لا يوجد شيء في العالم يمكن أن يكون مقابل لهذه الكرامة أبدًا.
أسوأ شيء أن نعتبر الراتب الشهري أو الأجر المادي بديلا أو عوضا عن الكرامة. يتصور المستبدين أنّ بذلهم للحقوق المالية يجوز لهم التعامل مع العاملين.
ومن الحقوق والالتزامات المتبادلة، كما يرى المجاهد نفسه بالجهاد الأكبر. هنا يفترض أن تكون طاعة المدير طاعة العقل. كرامة الإنسان ترتبط بما يتضمنه من عناصر وجودية، بعضها كامن غير ظاهر وغير متفعل.
ولذلك فإن حقه لا يدرك، أي لا يمكن لأي أحد أن يؤدي حق المؤمن، لأن حقه من حق الله تعالى. وعلى رأس هذه العناصر، روحه التي هي من نفس الرحمان وبها استحق جوهر الكرامة.
وبناء عليه يمكن لأي عامل أن يتوافر على طاقات عظيمة وعلى أفكار منجية وقدرات استثنائية. لا يمكن لأي مدير مهما كانت خبراته أن يحيط بما في نفس العامل من مواهب، للسبب المذكور.
لأجل ذلك كان مستوى كرامة المؤمن ودرجاتها فوق أي قدرة تكريمية أو تقديرية. لا يمكن لأي تقدير مادي أو معنوي أن يفي حق هذه الكرامة. فلو جهد المدراء لتأمين كل حاجات العاملين عندهم وأغدقوا عليهم بكل ما يمكنهم لبقوا مقصرين دون ذلك.
لا تتحدد مستويات الكرامة بحسب نظرة العامل إلى نفسه. فحتى لو احتقر العامل نفسه، لا يجوز احتقاره. ولو ازدراها وحط من شأنها وجعل المال عوضًا عن عمله أو خدماته، فلا يجوز للمدير أن يعامله بحسب ذلك. كان الإمام الحسن (عليه السلام) يغض بصره حين يأتيه السائل ويطلب منه أن يكتب حاجته على الرمل لكيلا يضطر إلى سماع صوته أيضًا فيعرفه، ثم يعطيه حاجته دون أي سؤال. هذا السائل الذي عرّض نفسه لهذا النوع من المذلة، ما كان يجوز في مدرسة الكرامة إذلاله.
أما الذين استيقظت المعنويات في نفوسهم أو امتلكوا الاستعداد لذلك، فإن رأس مالهم الأكبر هو عقولهم وأفكارها وآراؤهم واقتراحاتهم والتي هي أحد أهم أرصدة المؤسسات.
إذا كان العامل يحمل فكرة يتصور معها أنها يمكن أن تُحدث فارقًا نوعيًّا في مقاومة المحتل، يجب أن تصل فكرته إلى المسؤول عن هذا النوع من التخطيط. لا يحق لهذا المسؤول أن يتذرع بوجود جعبة مليئة بالأفكار التي تنتظر دورها للدراسة والقرار. هذا ما يُحتّم عليه إيجاد آليات إدارية تسهّل وصول الأفكار وسريانها ودراستها وتحليلها ولو كانت ألف فكرة في اليوم!
حين يكون القائد في موقع تتطلع إليه نفوس الجماهير، يجب أن يكون جاهزًا من الناحية الإدارية لاستقبال رسائلهم مهما بلغ عددها، والإجابة عنها في الوقت المتوقع.
أي تقصير هنا لا يعبر سوى عن انتقاص الكرامة، وهي أكبر خسارة يمكن أن تلحق بهذا القائد ومؤسساته وعمله.
حين تُبنى الإدارة على الكرامة، وحين نتعرف على هذه الكرامة، يسهل تحديد ما هو مطلوب على مستوى النظم والتشكيلات والأداء والوظائف. هذا هو الفارق النوعي بين الإدارة الإسلامية وغيرها.
اضافةتعليق
التعليقات