ما إن حلَّ علينا شهر محرم حتى يستذكر الجميع الفاجعة التي حلت على اهل البيت في هذا الشهر الذي حرم الله فيه القتال. ولم يتهاون فيه جلاوزة يزيد عن قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام.
من منا لم يعتصر قلبه ألماً بحلول شهر محرم إستذكاراً للفاجعة الأليمة، والظلامة التي طالت اهل البيت، إذ كنا منذ الصغر، وقبل هلول الشهر المحرم نتهيأ له بحلة السواد اذ كانت تأخذنا والدتنا الى سوق النجف الأشرف (المدينة القديمة) وتشتري لنا الملابس ذات اللون الأسود وقطع قماش لتغليف جدران المنزل والرايات الحسينية السوداء، لتضعها على باب المنزل لتعلن مع جيران المنطقة بدء شعيرة الحزن واستذكار الملحمة الخالدة التي سجلها سبط الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله وسلم" الامام الحسين عليه السلام في كربلاء مقابل جيش الكفر.
وثم نذهب للكوفة لحضور مراسيم عزاء ذكرى استشهاد مسلم بن عقيل سفير الحسين "عليه السلام".
وقصة استشهاده بعد ان امر بقتله يزيد ورميه من اعلى جسر الكوفة، حيث كانت مراسيم بسيطة تهدف الى أستذكار الفاجعة الأليمة التي تعرض لها اهل البيت (عليهم السلام).
والظلامة التي وقعت عليهم من أجل نصرة الأسلام ومحاربة نظام يزيد وخروجه عن دين الله ورفع الظلم عن اهل الكوفة بعد الرسائل التي ارسلت الى الامام الحسين (عليه السلام) واستنجادهم به لتخليصهم من الظلم الذي لُحق بهم من تلك الزمرة الحاكمة.
حيث تسرد قصة استشهاد مسلم بن عقيل بتجسيد تمثيلي لإثارة وإيصال قصة الإستشهاد للموالي بأسلوب بسيط.
ونحن في الوقت الذي نشجع فيه على تلك النشاطات ونؤكد على أهميتها نلفت أنظار المؤمنين عامة:
يجب أن يشعر الموالون عند القيام بهذه النشاطات المباركة بوحدة الهدف وشرف الغاية وقدسيتها بسبب انتسابها لأهل البيت (صلوات الله عليهم)، الذين هم القمة في الكمال والفناء في ذات الله تعالى، ليكون ذلك محفزاً لهم على جمع كلمتهم وتثبيت ألفتهم وأخوتهم، وغض النظر عن بعض الهفوات العفوية التي قد تصدر من بعضهم. ويترفعوا عن المباهات والمفاخرة والتسابق والتناحر، حيث قد يحاول الشيطان الرجيم أن يلقيها في روعهم ويزرعها في صدورهم، ليذهب ببهاء عملهم ويحبط أجرهم، ويفرق كلمتهم، ويشتت جمعهم، ويلقي بأسهم بينهم. وليتعوذوا بالله تعالى من كيده وشره وغروره وفتنته. فإن (الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير).
وأن يحافظوا في تلك النشاطات على طابعها الديني والروحاني، وذلك بالحفاظ على حدود الله تعالى، وإقامة الفرائض عند حلول أوقاتها، وحسن الخلق، وحفظ اللسان، وغير ذلك، مما يناسب قدسيتها وانتسابها لأهل البيت (صلوات الله عليهم).
وإذا أراد بعض الأشخاص أن يجدد فيما يتعلق بهذه النشاطات ـكاختراع بعض الأدوار، فعليه أن يجعل تجديده لخدمة هذا الهدف والتركيز عليه، ولا يكون همه فقط الفن والتجديد، من دون اهتمام بالهدف المذكور. فضلاً عما إذا كان يخل به أو يعتقد أنه سيخل ببعض الامور، فيسير باتجاهات اخرى.
ولاستيضاح الحال، والتمييز بين حالة واخرى، عليه أن يلتفت إلى حاله لو فرض مشاركة أحد المعصومين كالصديقة الزهراء (صلوات الله عليها) والإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) ويرى بوجدانه هل أن كل مايفعله ويزاوله يتناسب مع حضورهم (صلوات الله عليهم) أو لا يتناسب؟ فإنهم سلام الله عليهم إن لم يحضروا فلا أقل من أن يطلعوا على نشاطات شيعتهم وأعمالهم هذه ويشرفوا عليها.
ولاسيما إمام العصر (عجل الله فرجه) الذي ورد في نصوص كثيرة أن أعمال الشيعة تعرض على النبي (ص) وعليه. فـاللازم اختيـار ما هـو الأنـسب بنهجهم والأقرب، من ثم كان شهر محرم الحرام من أهم مواسم أهل البيت (صلوات الله عليهم) وشيعتهم، التي تعيد لمبادئهم الرفيعة حيويتها، وتجدد لها نشاطها على مرّ العصور وتعاقب الأجيال، والتي تُسمِع صوتهم للعالم في دعوتهم للحق وإنكارهم على الباطل، وصرختهم في وجه الظلم والطغيان.
دور المثقفين للقضية الحسينية وخطباء المنابر:
أما فيما يخص وظيفتهم التثقيفية والتبليغية في مناسبات أهل البيت (صلوات الله عليهم) يجب أن يجدّوا في تثقيف المؤمنين بأمور دينهم وتعريفهم بخصوصيات الأحكام الشرعية وتفاصيلها، لحاجتهم عموماً لذلك، لأهميته في الواقع الديني، وأن يركزوا على الجانب العقائدي. ولاسيما ما يتعلق برفعة مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم) عند الله، وما ورد في حقهم في الكتاب المجيد والسنة النبوية الشريفة، وما طفح به التاريخ من ثباتهم على الحق، وتمسكهم بالمثاليات ومكارم الأخلاق، ورفضهم للظلم والباطل. مع التأكيد على خسة خصومهم وعدوانهم، وبشاعة جرائمهم، وسوء سيرتهم وسلوكهم.
فإن لذلك أعظم الأثر في شدّ الناس بعقولهم وقلوبهم وعواطفهم نحو أهل البيت (صلوات الله عليهم) ونحو مبادئهم الرفيعة وتمسكهم بها، ونفرتهم من الظلم والظالمين ومن أتباعهم، وإنكارهم عليهم. وذلك من أهم شؤون العقيدة الحقة.
والمؤمنون وإن كانوا ملمّين، إلاّ أن كثيراً منهم في غفلة عن تفاصيل ذلك، وعن أدلته، والتركيز على الظلامة فقط.
روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق أنه قال للفضيل بن يسار: يا فضيل «أتجلسون وتتحدثون؟» قال: نعم جعلت فداك. قال الإمام الصادق: «إن تلك المجالس أحبها. فاحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا».
اضافةتعليق
التعليقات