عقدت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية ملتقى المودة للحوار بعنوان: الكتابة الإبداعية، وباستضافة سماحة آية الله السيد هادي المدرسي، وذلك يوم السبت الموافق 11/9/2020، 3 صفر، 1443، في مقر الجمعية الجديد الكائن في حي الحسين، وقد حضر الندوة مجموعة من الكاتبات والخطيبات القديرات، المهتمات بمجال تطوير قلم المرأة الكربلائية وثلة من المبدعات اللاتي يعملن في مجال الإعلام المرئي والإلكتروني.
حيث بدأ السيد هادي المدرسي الندوة بالآية القرآنية المباركة: "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ".
وأضاف: هنالك موهبتان للتعامل مع المحيط؛ موهبة الكتابة وموهبة الخطابة، كيف ننمي هاتين الموهبتين؛ الخطابة والكتابة؟
الناس لا يولدون خطباء ولا يولدون كتاباً إنما الإنسان كما يقول ربنا عز وجل (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً)، باستخدام هاتين الموهبتين (العقل والإرادة) يمكننا أن ننمي موهبتين خارجيتين هما الخطابة والكتابة، كما نفكر فإننا ننطق، فما دمتُ قادراً على أن أفكر فإنني قادر على أن أعبر عن تفكيري بلساني، وكما أستطيع أن أعبر بلساني يمكنني أن أعبر بالكتابة، فالموهبتين بحاجة إلى تنمية وتعتمدان على موهبتين داخليتين موهبة العقل وموهبة الإرادة.
مبدئياً لابد أن نعرف أن كل الناجحين في هذه الحياة منهم العلماء، المفكرين، الأنبياء، الأوصياء يبدأون الأمور من الصفر لأن سُنّة الله عز وجل قائمة على أهمية بدأ كل شيء من الصفر، يعني رب العالمين يخلق الإنسان من نطفة لا تُرى بالعين المجردة، يخلق البحر من قطرة صغيرة، يخلق الجبل من ذرة، كل شيء يخلقهُ الله عز وجل من الصفر وكل شخص في هذه الحياة ناجح سواء أكان في الخطابة، الكتابة، الإدارة أو غيرها من الأمور فإنه يبدأ من الصفر.
لذلك كل من يعيش في حالة الصفر يمكن أن يكون في يوم من الأيام كاتباً قديراً، خطيباً ممتازاً، إدارياً جيداً فنحنُ لابد أن ننمي ذواتنا.
اليوم هناك شيء يسمى المناعة المكتسبة، لدينا مناعة ذاتية، رب العالمين يخلقنا بها وهي مناعة محدودة أما بقية المناعات نحن نكتسبها وحينما نكتسبها يصبح الجسم قادراً على أن يقاوم المكروبات والأمراض وما شابه ذلك وهذه المناعة المكتسبة هي المهمة وهي بأيدينا وبإرادتنا نقويها وبإرادتنا نضعفها.
اليوم يتحدث العالم عن فيروس كورونا وإن من يقاوم هذا الفيروس هي المناعة المكتسبة وهي القادرة على مقاومة البكتيريا والفيروسات والمكروبات الضارة من خلال تقويتها والتي نحصل عليها من خلال اصابتنا بالأمراض أو من خلال اللقاحات، وبعض هذه اللقاحات هي عبارة عن إدخال نفس الفيروس أو المكروب بعد أن يقوم الإنسان بتضعيف هذا الفيروس وقتل أو سلب الحياة منه وجعله غير فعالاً حينما يدخل للجسم، حينها الجسم يكون مناعة ضد هذا الفيروس ليقاومه.
نحن بحاجة إلى تنمية المهارات التي لا نولد بها، فالطفل حين يولد لا يتكلم وحين يبدأ يكبر يمكن أن يتعلم لغة الحيوانات والإشارات، لكنهُ لا يتكلم المنطق لأن المنطق هو عملنا نحن الكبار، فرب العالمين لا يعطي للإنسان هذه المهارات كما لا يعطي المناعة الكاملة كالموهبة إنما يعطيها من خلال الاكتساب والتفاعل، من خلال عمل معين نحصل على موهبة المناعة كذلك موهبة الكتابة والخطابة.
لا تتوقعوا في يوم من الأيام كنتم تتمنون فيه أن تصبحوا خطباء جيدين فتنامون ثم تستيقظون صباحاً وأنتم خطباء جيدين إنما أنتم تحتاجون إلى ممارسة وجهد حثيث وعمل متواصل لإتقان موهبة الخطابة والكتابة.
أساساً رب العالمين جعل الإنسان قادر على أن يأخذ ويعطي ويكّون صداقات، نحن كائنات متفاعلة نتفاعل مع بعضنا البعض، نتعلم من الآخرين وبالعكس، وهذه القدرة التي خلقها الله في الإنسان إذا وجهناها توجيهاً صحيحاً نحصل من خلالها على ما نريد.
ماذا نعني بالكتابة الجيدة؟
يعني الكتابة التي تؤثر في مَن يقرأ، الكتابة والخطابة الجيدة هي الخطابة التي فيها نوع من الإبداع، والكلام الجميل فيها يقع في القلب، فإن للإنسان ذاكرة فبعض القنوات التي تبث المحاضرات والمعلومات تبقى في ذاكرة الانسان فنحن نؤثر ونتأثر بالمجتمع.
كيف نكون خطباء جيدين ومبدعين؟
الجواب جداً سهل خاصةً في مثل هذه الأيام وهو أن نستشير عقولنا وأذواقنا، فحين يستشير الإنسان عقله فقط دون ذوقه لن ينجح، فمثلاً لو كان الخطيب لا يهتم بنظافته وهيئته الخارجية، يهتم فقط بالمعلومة المعطاة فمن الممكن عدم اكتراث الحاضرين له لأن ملابسهُ غير مناسبة وهنا لم يستشر الإنسان ذوقه.
رب العالمين خلق للإنسان ذوق لم يضعهُ في الحيوانات، كما أن الحيوانات لا تمتلك إرادة لاختيار هذا اللون عن ذاك أو هذا الشيء عن ذاك، فإذا استشرنا أذواقنا كإطار وكأسلوب واستشرنا عقولنا كمحتوى وفكر حينئذ تكون الخطابة ممتازة وجميلة وكذلك الحال بالنسبة للكتابة، كذلك بناء البيوت والأمور التفصيلية، فحين نركز على العقل والمنطق دون الأسلوب والذوق والإحترام المتبادل فسوف ينفر الناس منا.
إذاً الشيء الأول، لابد أن نستشير عقولنا لكن هذا العقل لابد أن يُغلف بالعاطفة والذوق، ولنضرب مثالاً لنبين الفكرة بشكل أفضل، أثناء سفري رأيت مطارين، مطار سنغافورة هو مطار صغير نوعاً ما في مدينة مجموع نسماتها بحدود أربع مليون ونصف، ومطار جاكرتا في أندونيسيا التي مجموع نفوسها أكثر من مئتين وخمسين مليون نسمة ومطارها كبير.
في مطار سنغافورة استخدموا الذوق في إنشائه، فكل ما يخطر على بالكم من تفاصيل الجمال هي موجودة في هذا المطار وهو المطار الأول في المطارات العالمية من حيث الجمال، في زاوية هناك مياه رقراقة وأشجار وغيرها من أساليب الذوق المستخدمة.
مطار جاكرتا جديد ومطار سنغافورة جديد بل إن مطار جاكرتا أجد وأحدث من الآخر ولكنهم غير مهتمين بالأمور التفصيلية من أساليب الراحة للعين وراحة الجسم للمسافرين وتفاصيل الجمال كالتي في مطار سنغافورة من الألوان وصناعة المناظر البديعة التي تريح الإنسان، وهذه الدولة الصغيرة إذا أراد المواطنين الانتقال فيها لابد من المرور بمطار سنغافورة رغم أنها دولة صغيرة لا تمتلك النفط أو المعادن ولكن اقتصادهم خامس أقوى اقتصاد في العالم، وهنا قد نتساءل كيف ذلك؟
إنهم يستخدمون أسلوب إعادة تصدير البضائع، يستوردون البضائع من الصين ثم يصدروها إلى الدول الأخرى والناس والتجار يذهبون إلى هناك لعقد صفقات الاستيراد للبضائع التي تنتجها الدول الأخرى.
وفي أحد المرات كنت نازلاً من الطائرة وأحصيت السفن التي تحيط بجزيرة سنغافورة على الأقل مئتان سفينة بين ذهاب وإياب مستمر وبالنسبة لليابانيين أنفسهم يأتون إلى سنغافورة ليشتروا البضائع اليابانية لأنها تكون أقل تكلفة عليهم من اليابان نفسها مع أجرة تذكرة الطائرة وسبع ساعات ذهاباً وسبعة إياباً.
أساسا الناس هناك يستخدمون أذواقهم كثيراً يوجد مثلاً فندقين هناك، بين هذين الفندقين هناك جسر كما أنهم قاموا ببناء حوض سباحة كبير في الطوابق العليا وقاموا بإنشاء مزرعة ونخيل وأشجار، فالذي يمشي من بعيد يرى الجمال بشتى أشكاله وهذا يستثير الذوق عند الإنسان.
الآن في العالم الغربي لا يهتمون فقط في أصل القضية، مثلاً الهواتف النقالة التي تقوم الشركات باستحداثها مستمراً فإنهم يهتمون بجمال المنتج من الخارج كما أنهم للأسف الشديد حين يريدون عمال دعاية إعلانية للمنتجات يأتون بنساء جميلات ويضعون صورهم في إعلاناتهم.
فما علاقة هذه المرأة بالمنتج؟
هذه المرأة الجميلة تستثير الذوق في النساء وفي الرجال، في الرجال واضح السبب، أما في النساء فهي تستثير العاطفة والذوق بشكل كبير كون المرأة جُبلت على العاطفة والذوق فالمرأة أساساً بحيرة عواطف كبيرة أما الرجل لا، فهو جاف.
فأي بضائع إذا أراد الغرب تسويقها فإنهم يستخدمون النساء الجميلات فإنهن يستثيرون الرجال ويستثيرون في النساء حب التميز وذلك بأن تكون مختلفة ومتميزة عن البقية.
كذلك في عرض الأزياء لأن المرأة أساساً تحب التغيير على عكس الرجل فإنه لا يحب التغيير، فالرجال لا يغيرون ملابسهم كثيراً ولكن النساء قد تستخدم في الشهر الواحد عشرين موضة أو أكثر.
أحياناً تقول المرأة لزوجها أنا لن أذهب للمكان الفلاني لأنني لا أملك ثياباً وحين يأتي الرجل ليفتح باب الخزانة يرى أنها مليئة بالملابس المتنوعة فيتساءل وهذه الثياب لمن؟، هنا تقصد المرأة أنها لا تملك ثياباً خاصة لهذه المناسبة المعينة سواء أكانت حفلة زواج سفرة .. الخ.
على كل حال فالذوق شيء أساسي في الإنسان، فهذا كلامي حين ألقيه يجب أن أعرف كيف أبدأ وكيف أنتهي، من أين أبدأ وإلى أين أنتهي، هل أبدأ بقصة جميلة أم مجموعة تساؤلات والذي يُعتبر أسلوباً من أساليب الإلقاء فألاحظ بعض الخطباء يبدأون من قبيل:
بسم الله الرحمن الرحيم، قال تعالى، ثم يقرأ الآية القرآنية ويقول بأن الله تعالى ركز في هذه الآية القرآنية على أشياء ثلاثة وهي... الخ، هنا لم يستخدم الخطيب ذوقه هنا استخدم عقلهُ فقط بينما لو بدأ موضوعهُ بـ الآية (نون والقلم وما يسطرون) ثم يطرح تساؤلات: ما الذي يعني ربنا بالنون؟. حرف واحد من حروف ألف باء، ثم أن هذا قسم، كيف رب العالمين يُقسم بحرف، وكيف يُقسم بالقلم، يُقسم بالكتابة، وبالنبي صلى الله عليه وآله الذي لم يقرأ ولا يعرف الكتابة إنما حتى لا يُتهم بأن كلامهُ كلام من ضرب الخيال فهو كان يعرف الشعر وكان يغيرهُ ويقرأه حتى لا يعترضون عليه ومرة قالت له إحدى زوجاته يا رسول الله الشعر ليس هكذا فأجابها صلى الله عليه وآله: أعلم.
ولكنه كان يفعل ذلك حتى لا يُتهم بأنه شاعر، ليس لأن الشعر تهمة فالشعر ليس كذلك، إنما لأنه خيال والقرآن ليس بخيال فالنبي كان يتحدث عن الحقائق فإنه حين يصف الجنة أو النار لا يتخيل إنما نقلاً للحقائق فهناك شيء اسمه جنة فيها لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهذه حقائق وليس خيال.
وأمة إقرأ لا تقرأ، فاليوم هذه الأمة التي كتابها القرآن؛ الكتاب السماوي، لا يقرأون، والقرآن يحلف بالقلم وما يسطرون.
كما تذكر الروايات حين خلق الله القلم وقال له اكتب فكتب كل ما يجري في البشرية من أول الدهر حتى آخره وكان أول ما كتب هو قتل الحسين وثاني ما كتب نصر الحسين سلام الله عليه.
كيف أبدأ بالكتابة؟
البداية تكون أولاً في القراءة، فالقارئ يتشجع على الاستمرار والاهتمام باستشارة العقل والذوق معاً، فالقارئ حين يقرأ موضوع معين في كتابين، الكتاب يجعلهُ يتشجع على الاستمرار أو بلعكس، يقرأ ثم يمل من الكتاب رغم أن الموضوع ذاته في الكتابين لكن الاختلاف في الأسلوب وطريقة الطرح.
ثانياً أن نتعلم من الآخرين، فهناك الكثير من الكتب الجميلة لذا لا بأس بالتقليد سواء في المقال أو في قصة جميلة وغيرها.
أتذكر حين كنا في كربلاء نعلّم بعض الأخوة على الكتابة والقراءة كنتُ مضطراً لأخذ بعض المجلات وأنتقي المقالات ذات الأسلوب الجميل، هنا أركز على قضية الأسلوب وكنت أشطب بعض الجمل لأنها كانت فاسدة. فسابقاً لم يكن هناك مجلات راقية بالمحتوى الجيد الموجود الآن.
وكنت أقول للإخوة أعيدوا صياغة هذا المقال بما يحمل من محتوى، أي اقرأوا هذا المقال وأعيدوا كتابة المحتوى بأسلوب يناسب الذائقة، فالصياغة الجميلة مطلوبة منا في جميع مراحل حياتنا كما أن المحتوى لابد أن يكون فيه رؤيا وبصيرة، إلخ.
إذاً تعتبر إعادة الصياغة وسيلة من الوسائل، وبمرور الزمن والتكرار نتعلم الكتابة والخطابة.
في كربلاء سماحة آية الله السيد محمد الشيرازي رحمه الله أسس بعض المجلات فكانوا يطلبون من عندنا الكتابة ونحن طلاب ليس لنا ارتباط بالكتابة والخطابة وبهذا العمل الاجتماعي التنظيمي والتربوي إنما كنا نركز فقط في الدراسة. فحين ظهرت المجلات أصبحوا يطلبون من كتابة المقالات، فأتذكر أول مقال كتبتهُ استغرق مني ما يقارب الست ساعات، جلست في سطح منزلي حتى أختلي بنفسي وكتبت نصف صفحة لأعطيه لإحدى المجلات الموجودة وكانت تضم: (أخلاق وآداب، ذكريات المعصومين، القرآن يهدي..)، ما يقارب ١٠ مجلات كانت موجودة أنذاك ظهرت في فترة قصيرة من الزمن.
فكتبت هذا المقال خلال ست ساعات وكان نصف صفحة ثم طالعتهُ في اليوم التالي، خجلتُ من نفسي ومزقت الورقة.
نحن نبدأ من الصفر فلم نولد خطباء ولا كُتاباً لكن بمرور الزمن الإنسان ينمي هذه الموهبة فيه أي إن الإنسان كمنبع الماء أو البئر كلما تسحب منهُ يأتي ماء غيره لكن إن لم تسحبوا منه فلن يزيد.
لذا يجب أن تعرفوا أن الناس معادن كمعادن الذهب والفضة كما يقول الإمام (عليه السلام) فيجب أولاً أن نكتشف المعدن، فالإنسان حين يأتي إلى هذه الدنيا يمتلك كل المواهب بمقدار معين وهي موجودة داخله فالذهب أو البترول تحتنا ونحن نعيش كما في الخليج الذين كانوا يعيشون في شظف من العيش وفي فقر مدقع وتحتهم ذهب أسود ولكنهم لم يكتشفوه حتى وقت معين.
فأولاً لابد أن نكتشف ما نمتلك من المواهب. وثانياً لابد من استخراجها. ثالثاً لابد من استخدامها في دورة الحياة.
يجب أن نعرف أن كل واحد من عندنا هو مزيج من معادن الذهب والفضة والألماس، كل فرد فيه كنوز، يتكلمون اليوم في علم المعرفة وأن الطبيب يولد طبيباً والمهندس يولد مهندساً وكل واحد يستخرج هذا الشيء من داخلة عبر المطالعة والاستماع والكتابة والدراسة ليكون طبيباً أو مهندساً.
فكل منا يولد مهندساً، طبيباً، عالماً، كاتباً وكل هذه المهن يمكن للإنسان أن ينميها داخلهُ ويكون من الناجحين فيها.
هل لابد من الإبداع؟
في المرحلة الأولى نحن نتعلم من الآخرين، ثم فيما بعد نبدع، فالبديع الوحيد الذي كل خلقهِ هو إبداع هو الله عز وجل، الله بديع السموات والأرض، خلق ما خلق من دون صورة ومثال سابق.
البحر والمقدار الذي فيه من الماء، مليارات الأطنان من الماء في مكان واحد والأشجار الجميلة، الطيور، الحيوانات، الجبال، الوديان كل هذه إبداعات الله، إبداع ليس له مثيل سابق.
صنع الإنسان الطائرة تشبيهاً بالطير وبعد عدة محاولات رويداً رويداً إلى أن صنع الطائرات، رأى الإنسان الحيوانات تسير على أربع قوائم وعلى هذا الأساس صُنعت السيارات، وعلى أساس آلية حركة الأسماك صُنعت الغواصات، لذلك رب العالمين كل خلقه إبداع وحتى الآن لم يستطع الإنسان أن يُبدع شيئاً جديداً كما أبدع الله لأن كل ما خلق هو جديد وليس شبيهاً بشيء آخر. بيضة الطيور هي إبداع الله، لذا هل نحنُ صنعنا شيء؟
الجواب لا، كل ما صنعهُ البشر كان مأخوذاً من ابداع الله، لذا غير مطلوب منا إبداع كلي أي أن أبدع شيئاً لم يبدعهُ غيري، لكن يمكن إضافة إمتياز معين لكتابي أو إضافة بسيطة، فلو نرى السيارت والهواتف النقالة، الفرق بينها بسيط جداً، أمور تفصيلية صغيرة كالدقة في الكاميرا وحجم الشاشة وغيرها من الأمور البسيطة إلى أن تحول هذا الهاتف لسكرتير للإنسان يرتب فيه أموره ومواعيدهُ وعمله، يعلمهُ أشياء كثيرة فضلاً عن عمله الأساسي وهو التواصل عبر الأمكنة، السيارات كذلك فيها تغيرات بسيطة معينة ليست هناك تغيرات أساسية إنما أمور تفصيلية، وفائدة السيارة هي ذاتها منذ أن صُنعت قبل حوالي ١٢٥ عام بدأت بأربع عجلات ومازالت كذلك.
ففي الكتابة يمكن صنع تغيير بسيط لرسم الإمتياز على أسلوب الكتابة، لدى الجميع قدرة على التقليد فالتقليد شيء مهم، نقرأ كتبهم ونقلد.
مثلاً نقلّد الكاتب جورج جرداق في كتابه: (الإمام علي صوت العدالة الإنسانية)، نقلد فلان في خطابته، نقلد فلان في كتابته، في إدارته.
البعض يقول نحنُ نريد إبداعا، لابد أن يتقبل فكرة أنه لا يوجد إبداع كلي ولكن حتى نصل للإبداع الجزئي أو التفصيلي لابد لنا من أن نقلد ونقلد حتى نصل إلى مستوى معين من الإبداع يجعل من غيرنا يقلدنا لكن أولاً يجب علينا تقليد الآخرين.
الأمر الآخر هو المنافسة، يجب على الكاتب أن ينافس خيرة الكتاب وخيرة الخطباء، فالمنافسة جميلة جداً وتستخرج من الإنسان كنوزه الداخلية أثناء المنافسة، كما في ألعاب الأولمبياد كل شخص ينافس الآخر، ولعل أفضل الناس هم الذين ينافسون أنفسهم، هذه هي المنافسة الحقيقية فمن تساوى يوماه فهو مغبون.
العام الماضي أصدرتُ كتابا اسمه: (وجاء الحسين) اعتبر جميلاً مثلاً ثم أصدرت كتاب آخر بعنوان: (وقامت زينب) فإذا كان هذا الكتاب ليس أفضل من ذاك فأنا مغبون، فيجب على الإنسان أن ينافس نفسه.
اليوم ألقيت خطابا في مكان ما، غداً الخطاب يجب أن يكون أجمل (من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون) أي بعيد من رحمة الله أي كان الكتاب الثاني أسوأ من الأول والخطاب الثاني أسوأ من الأول.
معنى ذلك يجب أن أنافس الكتاب الجيدين والمحترفين ثم أبدأ بالمنافسة مع نفسي، كل يوم أكون أفضل من الذي سبق.
مثلاً العلاقات الزوجية يجب أن تكون كل يوم أفضل من السابق، بينما نحن نقول شهر العسل يعني أن الشهر الأول فقط هو عسل ثم بعدها العسل يمتزج مع العلقم بعدها يختفي العسل ويبقى فقط العلقم، أي فقط شهر واحد كانوا يعيشون عسلا، الله لم يخلقنا كي نكون هكذا إنما خلقنا كي نعيش كل يوم ويكون وضعنا أفضل من السابق، كل سنة وضعنا أفضل من السابق، كل مدة أفضل من قبلها.
أتذكر مرة قدمت محاضرة في الكويت لمجموعة من الأخوات كان عددهم حوالي ٥٠ امرأة، سألتني إحدى الأخوات فأجبتها: نحن لا نمتلك مصطلح شهر العسل. فقالت: إذن، ماذا عندنا عمر العسل؟، قلتُ: لا كل يوم يجب أن يزيد العسل لا يجب أن ينقص. أي اليوم وضعنا جيد وأخلاقنا جيدة والحمد لله ثم تصبح سيئة وتزداد سوءاً حتى يصل بنا الحال نحو الطلاق وكل شريك يكره الثاني فهذه الكراهية لم تأتِ من فراغ بل تدريجياً إلى أن وصلت إلى هذه المرحلة.
فسألت إحدى الأخوات: هل يمكن أن تكون العلاقات الزوجية كل يوم أفضل من السابق؟
قلت لها من الناحية النظرية نعم، لأنه كما يقولون (أدلُ شيءٍ على إمكان الشيء وقوعُه) أي إذا رأينا أن فرداً علاقته الزوجية كل يوم أفضل من السابق، كل سنة أفضل من السابق فإذاً يمكن أن تكون العلاقات الزوجية كل يوم أفضل من السابق.
فقالت: من يعيش هكذا اليوم؟
فقلت لها أنا متزوج منذ أكثر من أربعين سنة، كل يوم أفضل من السابق كل شهر أفضل من السابق.
لماذا نحنُ نقع في مطبات الآخرين، كمصطلح شهر العسل الذي نعلم مسبقاً أنه ينتهي لكن إذا دخلنا في علاقة زوجية لنعمل على ازدياد العسل بعد انتهاء شهر العسل.
والدتي رحمها الله حينما توفي الوالد عن عمر ٨٥ عاماً وكان والديّ يسكنان في قم المقدسة، وحين وفاة الوالد تركت قم وما عادت إلى أن توفاها الله لأنها لم تكن ترى المدينة التي عاشت فيها لأنها عاشت مع أبي، المقصد أنه يمكن أن تكون العلاقة بهذا الشكل، لماذا نجعل العلاقة الزوجية لها محدودية وتكون جماليتها مؤقتة.
بمقدار بشريتنا نحن قادرين على العيش حياة زوجية هانئة ممتازة، احترام متبادل، تعاون بالعمل، تبادل بالفكر.
الإنسان قادر على أن ينمي قدراتهُ وأخلاقه، إذا كنت اليوم كريما غداً يجب أن أكون أكرم، غالباً الناس كلما تزداد ثروتها كلما يزدادون بخلاً، الفقير لا يملك شيئاً لكنه يعطي بالقدر الذي يستطيع لكن الغني لا يعطي بل يزداد بخلهُ، الله تعالى خلقتنا لهذه الحياة للامتحان وللسباق ولكي ننمي شخصياتنا كأن تزداد أخلاقنا جمالاً من التواضع والصدق وغيرها.
إذاً لابد أن أنافس نفسي في جميع المواهب التي أكتسبها والمواهب التي أعطاها الله لي، أي يجب أن تكون كتابتي غداً أفضل من اليوم واليوم أفضل من السابق وهذا حتماً ممكن أن يتنافس الإنسان مع نفسه في الإبداع.
الأمر الآخر في قضية الابداع، هناك شيء اسمهُ تخصص، وأنا مؤمن بالتخصص ونحن عادةً لا نمتلك التخصص، أتكلم عن نفسي لدي كتب في العلاقات الزوجية، الأصدقاء، النجاح، عن الإمام الحسين والإمام علي عليهما السلام، عن فاطمة الزهراء عليها السلام، أي أنني أقفز من شجرة لأخرى، ومن الأفضل أن يكون عندنا تخصصات مثلاً المرأة باعتبارها تمتلك خيال مجنح وعواطف نبيلة قادرة على كتابة القصص ونحنُ الاسلاميين ينقصننا القصص، اليوم لو تذهبون إلى دول الغرب تسألون أي الكتابات الأكثر انتشاراً يقولون الكتابات القصصية، نحن المسلمين ليس عندنا قاصات إلا ما ندر، فلنبدأ بقصة قصيرة نستلهمها من تاريخنا مثلا قصة السيدة رقية التي هذه الأيام هي أيام استشهادها، السيدة رقية موضوع جيد لكتابة قصة عن حياتها وأنا أتصور أن أفضل من يكتب قصة هو النساء لذلك جميل لو تتخصصون في موضوع القصة القصيرة، وكما قال الشيخ البهائي (غلبتُ كلَّ ذي فنون وغلبني ذو الفن الواحد).
إقرأوا قصص الآخرين وطالعوا وقلدوا لكن في المجال الصحيح لأن مع الأسف كل القصص الموجودة والمترجمة محتواها غير جيد، مثلاً حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب عن رواية أولاد الحارة وهي تطرح أفكارا إلحادية مبطنة.
وإن كان صعباً عليكم الكتابة فيمكنكم استخدام طريقة التسجيل الصوتي وهذه التجربة معي نجحت وأصدرت كتباً عديدة عن طريق التسجيل.
للإنسان قدرة كبيرة على التخيل وهذا يساعد على الوصول إلى ما يريدة (ما رام إمرأٌ شيئا إلّا وصل له أو ما دونه) فأنا قبل أن أبدأ بتسجيل أو كتابة حرف واحد أتخيل الكتاب مطبوع أمامي.
مرة من المرات رأيتُ كتاباً عن الإمام علي (عليه السلام) فتخيلتُ أنني أكتب موسوعة عن الإمام علي وبالفعل تم اصدار ١٠ كتب، وبتوفيق من الله أجزاء الموسوعة ٢٠٠ كتاب.
نحن نحتاج إلى القصص جداً لأنها تؤثر على الإنسان بشكل لا شعوري وليس من خلال شعوره، فنحن عادةً لا نرتاح إلى النصيحة المباشرة فالقصة تغير قناعات الإنسان بشكل غير مباشر فيتخذ الإنسان موقفا من النصائح الموجودة في القصة.
ولكتابة قصص ناجحة نحن نحتاج إلى الرغبة والحماس. سألني أحد المؤمنين في يوما: كيف أنجح؟، أجبتهُ: الأمر الأول الحماس، والأمر الثاني الحماس والأمر الثالث الحماس، ففي اليوم الذي يمتلك الإنسان الحماس والرغبة يمكنهُ فعل وتحقيق ما يريد، فالقصة خيال وعاطفة فإذا استطعنا أن نُفعل خيال القارئ ونكتب بالأسلوب التصويري والوصف الدقيق للحالة النفسية للبطل، القصة تحتاج إلى محتوى، تصوير، خيال، عاطفة، ذوق وهذه الأمور جميعها متوفرة عند النساء أكثر من الرجال.
فالله يقسم بالقلم الذي يُنتفع به والقلم المؤثر فهو عز وجل لم يقسم بأي قلم وأي شي يكتب فهو يحلف بقلمكم والقرآن يقدّركم والله يثيبكم على ما تعملون، وهناك هدف معين وما وراء هذا الهدف هو ثواب الله وأيضاً هداية الأمة، هذه المسائل مهمة جداً فالهدف شيء عظيم ومهم قام به الأنبياء، الأولياء، الصالحون.
وأفضل من كتب قصة عن الحسين (عليه السلام) هو عبد الرحمن الشرقاوي بعنوان (الحسين شهيداً) وقد عمل عنها مسرحية في مصر وبعض الكتاب قالوا أن أفضل المسرحيات هي مسرحياته فقد كتب قصة كربلاء بطريقة الشعر الحر ومع الأسف الشديد لم يصورها أو يسجلها أحد بسبب الاختلافات المذهبية.
المداخلات والأسئلة
وفتح باب المداخلات مع سماحته وسألت آلاء طاهر/ إعلامية وكاتبة: عندما نستطرق لقصص المعصومين من الممكن أن نحتاج إلى أن نُدخل بطل أو بطلة القصة في حلم، وداخل الحلم يكلم البطل الإمام المعصوم لأجل ربط هذا المنام وهذا اللقاء بين البطل والإمام للوصول إلى نتيجة معينة، ولكن هناك محذورات من هذا النوع من الكتابة التي ربما قد تصل للتقوّل على الإمام وهذا قد يجر إلى إثم، فما السبيل لتجنب ذلك؟
أجاب سماحتهُ تفصيلاً: في بداية كتاب وجيهاً بالحسين وكتاب وقامت زينب كتبتُ أنَّ بطلي القصة هما غير حقيقين فإذا عرف القارئ أو المتلقي بأن هذه القصة غير حقيقية فأنا في هذه الحالة لا أتقوّل عن الإمام إنما استخدم خيالي.
أما النقطة التي تفضلتِ بها عن الحلم، فهذا إبداع وهو إدخال البطل في حلم وأثناء الحلم نتكلم والأحلام لا أحد يُحاسب عليها فإنه أمر جيد جداً، في أحد المرات حضرت محاضرة لشيخ صنعَ حواراً بين الحسين وزينب وكأنهُ حقيقة بشكل مذهل ولم يقول ذلك على المنبر إنما بلسان الحال أي قال الشاعر وبذلك استخدم أسلوباً شعرياً ابداعياً جديداً وهنا لا يُعتبر تقولاً على الإمام.
بيت القصيد هو أننا في القصة قد نضطر إلى تبديل وتغيير بعض الأشياء لكن مع التركيز على ملاحظة وهي أن تكتبوا قصة عن السيدة رقية مثلاً ولكن لا تقولوا بصريح العبارة بأنها قصة عنها عليها السلام، اجعلوا القارئ يعلم بذلك عن طريق الصياغة والكلام والمحتوى فأنت بهذه الحالة لم تنسبوا شيئاً إلى رقية، سألت العلماء لغرض صناعة فلم عن الإمام الحسين عن أين المساحة بين القول عن الإمام المعصوم وبين التصوير؟ هنا يوجود مشكلة فنحن لا نستطيع الاعتماد فقط على المحتوى الموجود في الكتب لأنه يحتاج إلى صياغة، ذوق، أسلوب معين لإنتاج فلم وسيناريو.
فكان رأي العلماء أن القضايا التصويرية إذا كانت تضر في قصص المعصومين (عليهم السلام) كتبديل الحقائق هنا يكون اشكال في النص وتقوّل على المعصوم، أما إذا لم تضر في أساس القضايا كالتطرق إلى تفاصيل الحركات فهذه لا إشكال فيها في القصة الأدبية.
وسألتْ جنان الرويشدي/ مديرة مدرسة ومعلّمة: كيف نفرق بين الجهل المؤسس والجهل المقدس؟ بعض المعتقدات التي نكتبها هي معتقداتنا ونحن نعتز بها فهل يعتبر هذا ضمن الجهل المقدس؟
ليكون جواب السيد توضيحيا: قبل كل خطاب أو كتابة أو نص يُكتب لا بد من معرفة المتلقي، فلا يوجد لدينا في مفاهيمنا الشيعية جهل مؤسس وجهل مقدس، نحن لدينا الجهل، والوسيلة للمعرفة والتخلص من الجهل هي القراءة والتعلم والمناقشة، فالذي يريد أن يخرج منه لا يعتمد على المنابر فقط أو على ما يقوله الخطيب بل يتوسع في الإطلاع، لأن ما يتناقل من دون مصادر ويتلقفه المرء ويتناقله من دون معرفة هذا جهل، وما يكتبه المرء يجب أن يُخضعه للعقل والوحي فما تسمعونه وتكتبونه (أَعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَإِذَا وَافَقَهُ فَاقْبَلُوهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ فَرُدُّوهُ).
وسألت فاطمة معاش/كاتبة: كيف نحافظ على حالة الاستمرارية في الكتابة فكما تعلمون أحيانا يصيب الكاتب الملل والإحباط، فما السبل التي تعالج ذلك؟
أجاب سماحته: هناك أسس للنجاح يجب معرفتها، إذا أردنا مزيدا من النجاح يجب أن تكون هذه الأسس عادات يومية، فالكتابة يجب أن تكون أساسا عندي، أول تجربة لي في الكتابة كانت في ليلة النصف من شعبان وقفت أمام جماعة لأول مرة وكنت على أتم الجاهزية لتحضير المادة لكن رهاب الجمهور والميكرفون أخذ مني نصيبا، بدأت أقرأ وقد حذفتْ وأضفتْ، ثم هرعتْ إلى البيت مسرعا، بعدها قلتْ لنفسي المهم أني وقفتْ، فالمحاولة الأولى هي الخطوة المهمة ثم تتبعها محاولات أكثر جدية وتطورا، أديسون حاول ثلاث آلاف مرة حتى وصل، فنحن كم محاولة نحتاج حتى نصل، هذا السؤال لأنفسنا حتى نكرر المحاولة تلو الأخرى من دون ملل.
وفي الختام أهدى سماحته نسخا من كتابه (وقامتْ زينب) للجمعية والذي صدر حديثا له.
والجدير بالذكر أن جمعية المودة والإزدهار تسعى لاستضافة الشخصيات المهمة المؤثرة في المجتمع من جانب والتي لها دور في رفع همم الكاتبات وتطوير أقلامهن وإثرائهن فكريا.
اضافةتعليق
التعليقات