كان هناك رجل يمشي مع ابنته وزوجته في الطريق، وكان هناك شخص يمشي أمامهم فسقط من ذلك الشخص شيء لامع!.
لم ينتبه الشخص إليه وأكمل طريقه، لكن الرجل قد انتبه اليه، فاقترب منه فوجده عقدا ذهبيا، ملأت البسمة وجهه وأخذه، قالت الابنة: ما هذا يا أبي؟
قال الاب: لا شأن لك. وعندما وصلوا إلى المنزل خبأ الرجل ذلك العقد ونام، وفي صباح اليوم التالي استيقظ الرجل وذهب إلى عمله وهو يفكر في ذلك العقد، فجاء صديقه ووجده شاردا، سأله: ماذا بك؟.
قال الرجل: أريد أن أقول لك شيئا. لقد وجدت عقدا ذهبيا وأنا أفكر به، وهو لا يذهب عن بالي!
فقال صديقه: لا بأس إن وجدته على الطريق.
قال: كلا، لقد سقط من شخص كان يمشي أمامي وهو لم ينتبه أنه سقط!.
قال الصديق: ماذا عساي أن افعل لك؟ ربما أنصحك بالبحث عن هذا الشخص وإعادة العقد له.
قال الرجل: ماذا؟ كلا! لن اعيد له العقد إنه لي. وبدأ ضمير الرجل يؤنبه فأحس الرجل بالعبق الشديد وفي طريقه رأى ورقة مكتوب عليها إذا وجدتم عقدا ذهبيا ضائعا اتصلوا على هذا الرقم!، ولكم مكافأة كبيرة.
بدأ ضمير الرجل يؤنبه أكثر فأكثر، وبدأ يصرخ في وجه زوجته ويضرب ابنته، وأخيرا أحس بشعور غريب كاد يقتله، فأخرج الورقة التي كتب عليها الرقم واتصل به!.
قال صاحب العقد: ألو هل أعرفك يا سيد؟!
قال الرجل: أنا وجدت العقد الذهبي، وفي الحقيقة أنا اخذته عندما سقط منك.
صاحب العقد: حقا أعده لي، اذهب إلى هذا العنوان.
ذهب الرجل إلى العنوان وأعطاه العقد، وتفاجأ الرجل بالمكافأة، فقد كانت عقدا ذهبيا، فسأله الرجل قائلا: إذا لديك عقد آخر فلماذا أخذت هذا العقد؟!
صاحب العقد: أتعلم من أعطاني هذا العقد؟ إنها أمي أعطتني إياه قبل أن تموت.
بكى الرجل بشدة وتأسف إليه أسفا شديدا.
قال صاحب العقد: أتعلم ماذا أوصتني أمي؟ أن أسامح الناس وأنا أسامحك يا رجل إمض في طريقك.
قال الرجل: فعلا الجشع يعمي الإنسان.[1]
في الحقيقة هذا ما يحصل مع الإنسان عندما يسيطر عليه الجشع والطمع وإذا سمحت له الفرصة أن يسلب ما في أيدي الاخرين بالتأكيد سيفعلها.
إلاّ أن الرادع الوحيد عن هذا الفعل، هو الخوف من الله، والرضا بقسمته ومسك الأهواء الشيطانية وضبطها، والقناعة في جميع جوانب الحياة المادية أو الاجتماعية أو العلمية.
ولعل أهم نقطة يمكن الإشارة إليها هو عدم مقارنة حياة الآخرين بحياتنا الخاصة، سواء في الجانب المادي أو المعنوي وعدم التحسر على ما في أيدي الناس، لأن ذلك يولد الحسد، والله تعالى حذرنا من هذا الفعل القبيح، ولأن مراقبة الناس تعكس سلبا على حياة المجتمع وله أضراره الكثيرة في هذا الجانب، حذرنا المولى علي (عليه السلام) من هذا الفعل القبيح وأوصانا أن أعيش حياتنا دون التدخل أو التربص في حياة الآخرين، بقوله: "من راقب الناس مات هما".
وهذا القول دلالة واضحة على أن كرامة الفرد تتحقق في غنى النفس، وعدم التدخل في حياة الناس، ومراقبة شؤونهم المالية والعائلية والمعنوية... الخ.
والوصول إلى مرحلة الغنى ليس أمرا هينا، بل يحتاج إلى التهذيب وجهاد الرغبات، والسيطرة على الأهواء، لأن مرحلة الطمع هي مرحلة جدا خطرة فيما لو لم يتم ضبطها والتخلص منها، إذ إن من الممكن مثلا أن يتحول التمني في الحصول على سيارة فلان، إلى مرحلة الحصول عليها بطرق غير شرعية!.
وبالتالي من الممكن أن ينتشر هذا الفعل القبيح في المجتمع ويتفشى بطريقة غير أخلاقية متمثلة معنويا بالحسد، وماديا بالسرقات.
لهذا السبب يقول الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام): "الغنى الأكبر، اليأس عما في أيدي الناس".
إذن وكما قلنا قبل قليل، إن العلاج الحقيقي لضبط هذا السلوك غير الأخلاقي هو تهذيب النفس، وإن هذه العملية الروحية والمعنوية تحتاج إلى اتّخاذ القدوة الصالحة، وبالتأكيد أفضل القدوة في هذا المجال، النبي (ص) والأئمة من أهل بيته (ع) ومن تربّى في مدرستهم من الأولياء والصلحاء والعرفاء. ولا ريب إنّ استحضار سيرة هؤلاء ومواقفهم وتجاربهم في تزكية النفس الأمارة بالسوء، هي خير معين لنا في تذهيب النفس ومواجهة العادات السيئة التي تكدر صفاء أرواحنا.
فمن كان قدوته الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته الكرام، وكان سائرا على نهجهم القويم هل يا ترى من الممكن أن يهمه ما في أيدي الناس؟، بالتأكيد لا، لأن الله تعالى وضع لنا الإسلام والدين كدستور حياة، يضمن لنا من خلال أحكامه حياة هنيئة وراقية، لأن الأخلاقيات التي يتربى عليها الفرد تجبره أن يسلك طريق الخير ألا وهو طريق الله الذي ارتضاه لكل انسان، ليرتفع بسلوكه وأخلاقياته في جميع جوانب الحياة ويعم الخير على المجتمع كله.
اضافةتعليق
التعليقات