تؤدي ثقافة "الانشغال" إلى تفاقم المشكلات التي تعد بحلها، فنحن نفترض إننا كلما كنا أكثر انشغالاً أصبحنا أكثر أهمية!
ولكن في الواقع أظهرت الدراسات أن ثقافة الإنشغال تدمر الإنتاجية وتجذبنا بعيداً عن عائلاتنا وعلاقاتنا الطيبة مع زملائنا في العمل.
مثل جميع ثقافات العمل، تبدأ هذه الثقافة من القمة، حيث يحاول القادة إبقاء أنفسهم منشغلين لإضفاء صفة النجاح والأهمية والإنتاج الغزير لصورتهم، ولكن ما يجعل التغلب عليها صعباً هو جذورها في أسفل الهرم، فالموظفون المبتدئون يتنافسون للظهور كمجتهدين يتوقون للإرتقاء.
إن التقنيات المتقدمة التي مكنت العمل والتواصل مع بعضنا البعض من أي مكان وفي أي وقت جعلت الحدود بين العمل والحياة الخاصة بنا شبه معدومة وسهلة الإختراق، مما ساهم في ترسيخ ثقافة الانشغال.
إذن ما الذي يمكن للقادة فعله لمكافحة ثقافة الانشغال السامة؟ لا توجد إجابة سهلة، ولكن فيما يلي ثلاث استراتيجيات يمكن أن تساعدك:
١ مكافأة واضعي الحدود.
يجب أن تضع جميع الشركات التزاماً لمحاربة ثقافة الانشغال، يعد الثناء على الموظفين الأكثر حرصاً على الحفاظ الحدود ومنحهم إجازة إضافية بداية جيدة، غير أن ذلك ليس كافياً، فقد اتضح أن ما يأتي بنتائج جيدة هو الدفع للموظفين ليكونوا أقل انشغالاً.
قد يبدو هذا متطرفاً لكن دفع أجور هو حل مناسب لما أصبح مشكلة خطيرة، إذ يرتبط الموظفون بأعمالهم بصورة مستنزفة خارج أوقات الدوام عن طريق التحقق من رسائل العمل باستمرار في أوقات الاجازات ومساءً بعد انتهاء يوم العمل.
وهذه سلوكيات مثيرة للقلق وتؤثر بشكل سلبي على صحة الموظفين ورضاهم وإنتاجيتهم.
تقوم إحدى شركات التقنية، بمنح ٧٥٠٠ دولار لموظفيها الذين يذهبون إلى إجازة، مقابل شروط بسيطة:
- عدم التحقق من رسائل العمل
- عدم العمل
- عدم البقاء في المنزل
يتم منح الراتب من خلال متابعة الصور أثناء الإجازة، ومراقبة وسائل التواصل، والإبلاغ الذاتي.
بعد سنوات قليلة من إطلاق البرنامج، قال مدير الشركة إن البرنامج يعمل "بشكل جيد للغاية"، مضيفاً أنه عندما عاد الموظفون من هذه الإجازات كانوا "أكثر إشراقاً، ويعملون باجتهاد أكبر، وأكثر حماساً للانخراط في عجلة العمل".
إن الإجازات هي وقت للتطور الشخصي غير المرتبط مباشرة بالعمل، إن رؤية الشركات للوقت المنقضي بعيداً عن العمل على أنه وقت تطويري يساعدهم على وضع بنود عمل أكثر مرونة، كما يجب تغيير ثقافة الإجازة لكي لا تصبح وصمة عار تلازم الموظف.
٢ ركز على مساهمتك الأساسية.
تعني مواجهة ثقافة الانشغال قول "لا" للمهام التي لا تتماشى مع واجباتك الأساسية، وعلى القادة أن يكونوا مثالاً يحتذى به، لأن أعضاء فريقك لن يقولوا "لا" براحة حتى تقول أنت "لا" للواجبات الثانوية.
هل تستمتع بوقت التوقف عن العمل عندما تحصل عليه، أم أنك تملأه بعمل أقل من الأهمية؟
هل تتخلى غالباً عن المشاريع الجانبية التي لا تخدم مهامك الأساسية؟ هل يعرف كل من تعمل معه ما هي واجباتك الأساسية؟
حتى الموظفين الذين لا تعمل معهم بشكل مباشر يجب أن يعرفوا ما هي تلك الواجبات وأن يعترفوا بالتزامك بها.
غالباً ما يكون النهج الحازم هو الأكثر فاعلية، ففي كتابه "الأساسيات: السعي المنضبط للأقل" يجادل الخبير الإستراتيجي في القيادة جريج ماكيون أنه لمحاربة ثقافة الانشغال وخلق بيئة عمل أكثر صحة وإنتاجية، يجب على القادة أن يقولوا "نعم" لأعلى 10٪ فقط من المهام المعروضة عليهم.
أظهر من خلال أفعالك أن مهامك الأساسية هي أولويتك، واجعل قول "لا" للعمل الآخر هو القاعدة.
هذا هو النهج الذي اعتمده أحد مؤسسي الشركات إذ إنه يقول "لا" بحزم لكل ما لا يتسبب بموته إن قال "لا". هو يدرك أن العمل المهم يقتل بواسطة المهام المتواضعة وليس الحظ السيئ.
٣ اعتمد على المؤثرين الداخليين والخارجيين.
الثقافة تبنى بشكل غير رسمي، تفاعلاً بعد تفاعل، لكن لا يمكن لأي فرد بمفرده تغيير ثقافة منظمة كبيرة، ما ينجح في إحداث التغيير هو ضغط الأقران الإيجابي الذي تمارسه الروابط الاجتماعية بدلاً من التوجيهات من أعلى إلى أسفل.
لنرى كيف نجحت شركة Ben & Jerry’s أخيراً في حث العمال على استخدام غرف القيلولة، ففي البداية، كان الموظفون محرجين جداً من استخدامها لدرجة أنهم استخدموا أسماء وهمية مثل "دونالد داك" في قائمة الحجز، حتى أدركت Ben & Jerry's أن نظاماً أبسط يمكن أن يُظهر للجميع أن الغرف كانت تُستخدم دون الكشف عن هويات المستخدمين، فإذا كان الباب مغلقًا، أنت تعلم أنه يتم استخدامه.
على الرغم من أنه لم يعد من الممكن حجز الغرف مسبقاً أدركت Ben & Jerry’s أن الأولوية القصوى هي جعل الجميع يشعرون بالراحة عند استخدامها في المقام الأول.
شجع الموظفين على إنشاء تقاليد يومية صغيرة مثل وجبات العشاء الخالية من الأجهزة، وعدم إنجاز الأعمال خارج أوقات العمل، والقيام بأنشطة للتطوير الشخصي غير المتعلق بالعمل، والتواصل مع الرفاق وقضاء أوقات مسلية.
جميع الشركات مشغولة، النقطة هي منع هذا الانشغال من أن يصبح مزمناً وجزءاً من ثقافة العمل، لأنه عندما يحدث ذلك، فإنه يصبح مدمراً على المدى البعيد- بغض النظر عن مدى إنتاجيته السريعة.
اضافةتعليق
التعليقات