يعرف علماء النفس الاجتماعي القيم values، بأنها مجموعة المعتقدات الفردية ذات الطبيعة الثابتة، وتعرف أيضاً بأنّها الرغبات المحورية لكلّ من الفرد والمجتمع، وتمثل معايير لتوجيه سلوك الفرد وأحكامه.
والقيم عبارة عن حصيلة الموروث الاجتماعي والثقافي والسلوك التربوي للمجتمع، بل إنها المحك والمعيار الذي نحكم من خلاله على سلوك الفرد.
إنّ المعايير والقيم ترتبط بالاتجاهات attitudes التي يتعلمها الفرد خلال مراحل حياته من خلال تنشئته الأسرية والاجتماعية، والاتجاهات تعتبر دوافع مكتسبة لها استعداد وجداني، ولها درجة ما من الثبات وإزائها يحدد الفرد شعوره وتلوّن سلوكه بالنسبة لموضوعات معينة، من حيث تفضيلها أو عدم تفضيلها، فإذا بالفرد يحسها ويميل إليها، إنْ كان اتجاهه نحوها إيجابياً، أو يكرهها وينفر منها، إن كان اتجاهه نحوها سلبياً، وقد يكون الاتجاه نحو شخص معين، أو جماعة ما أو شعب ما، أو مدينة ما، أو فكرة ما، ومنها مبدأ اللاعنف أو السلوك العنيف -العدواني - .
إن منظومة القيم والمعايير تتحدد من المحددات الاجتماعية التالية، وهي تتاح لثلاثة مستويات اجتماعية:
المستوى الأول: هو المستوى الذي تحدد فيه الثقافة المفاهيم الجديرة بالرغبة فيها.
المستوى الثاني: حيث توجد الأسرة وتوجهاتها نحو قيم وغايات بعينها.
المستوى الثالث: يتمثل في الجوانب الاجتماعية الفرعية، كالمستوى الاقتصادي، الدين، المهنة، الجنس (ذكر - أنثى)، مستوى التعليم.
إن المعايير التي يطرحها الإمام الشيرازي في رؤيته لمبدأ اللاعنف تتحدد بعدة تكوينات منظمة ترتبط بالسلوك، وتتلازم مع القدرة النفسية في التعبير والتعامل، وقوله: «اللاعنف وإنْ كان صعباً جداً على النفس، لكنه مثمر جداً في الوصول إلى الهدف، ويضيف أيضاً، اللاعنف ليس في بعد السلاح فقط، بل يشمل حتى الكلمة والنظرة والإهانة وغيرها، فاللازم الالتزام باللاعنف الكامل، فإنّ اللاعنف وإنْ كان صعباً في مقابل من يستعمل العنف، إلا أنه محمود العاقبة.
وعلى ذلك فهو يطرحه كمعايير مطلقة، وكقيم راسخة واتجاهات ثابتة في التعامل، وإنّ للقيم تأثيراً واضحاً على النظام الكامل للفرد ومن ضمنه السلوك، وإنّ ارتباط القيم بالسلوك ليس ارتباطاً مباشراً بل يمر بقنوات خاصة بالفرد.
منهج اللاعنف والقيم الإسلامية
إنّ شعار المسلم في كلّ مناسبة (السلام) فهو حينما يلاقي أخاه يقول: "السلام عليكم"، وحينما يريد الفراغ من الصلاة يقول: "السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، ويقول القرآن الكريم - تعليمًا للمسلم- على لسان عيسى المسيح عليه السلام: السلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً. (مريم: ۳۳).
ويضيف السيد الشيرازي: "الإسلام" يريد السلام لكلّ الناس قريباً أو بعيداً، صديقاً أو عدواً، ظالماً أو مظلوماً»، وقوله : كثيراً ما أشار القرآن والسنة، إلى هذا السلام والسلم".
ومن القيم التي يتناولها منهج اللاعنف، كامتداد طبيعي للقيم الإسلامية، حرمة الاختطاف والعنف ويطرحها الإمام كمسألة فقهية: "يحرم الاختطاف وأخذ الرهائن كمـا كــان متعارفاً في ذلك الزمن، وكما هو متعارف في زماننا هذا، وهكذا يحرم جميع مصاديق العنف والإرهاب، مما يوجب إيذاء الناس أو تشويه سمعة الإسلام والمسلمين".
وتستند نظرية اللاعنف عند الإمام الشيرازي عبر سلسلة المراحل التطورية حيث ترجع إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ففي حادثة عفو النبيّ محمد عن وحشي قاتل عمه حمزة، وعن قاتل بنته وحفيده، هـبـار ويستند (صلى الله عليه وآله) إلى قول الله سبحانه وتعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} (المؤمنون: ٩٦).
وقول الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة لواليه الأشتر لما ولاه على مصر: لا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق . . . فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه» (۱)
ويمكن اعتماد مسارات التعامل التي قام بها النبي محمد عبد الله خلال الدعوة الإسلامية كقيم يستدل بها أو كاليات «استراتيجيات موصولة إلى مبدأ اللاعنف، فقد عفا الرسول محمد علي الله عن أهل مكة، مع أنهم كانوا رؤساء المؤامرات عليه وعلى أصحابه من أول البعثة إلى أواخر عمره الشريف.. وعفا.. وعفا.. فالنبي محمد علي الله حينما يستند في أحكامه إنما يستمدها من القرآن، فهو يحبذ العفو وعدم الانتقام، وقلع جذوره البغضاء والعدوان عن النفس، يقول سبحانه وتعالى: {وخذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (النحل/ ١٢٦ ).
وأكد رسول الله على إحدى القيم التي تحكم السلوك وتحدد المعايير في التعامل من خلال ما يتم تطبيقه، بقوله: "العفو لا يزيد الناس إلا عزاً، فاعفوا يعزكم الله" وقوله ماله أيضاً لعتبة: "ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا، والآخرة ؟ ، تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.(2)
....................................
اضافةتعليق
التعليقات