تدخل ضيفاً على قومٍ تلتقيهم للمرة الأولى، فيُقدّمك صديقك لهم: " فُلان الفلانيّ، صاحب كذا وكذا، يعمل في المجال الفلاني، وإلى آخره من معلومات شخصية..." هل فكرت من قبل، كيف توّد أن تُقدّم للآخرين؟ ما الكلمات التي تريدها أن تملأ الفراغات السابقة؟ ما اسم المهنة والكُنية؟ كيف ستكون بطاقتك التعريفية ومن المسؤول عن إنشاءها؟ هذا ما يستحق أن تلتفت إليه وتفكّر به كل يوم، أن تنظر لموقعك في الحياة، وهل أنت في المكان المناسب، المكان الذي ترتضيه لك؟!
إننا نولد غير مُخيرين في اختيار الأهل الذين ننشأ في كنفهم، ولا نملكُ الأمر في تنشئتنا الأولى، لكن ما إن ندخلُ في مرحلة الوعي والنُضج المعرفي والاجتماعي يتحتمُ علينا أن نقرر كيف تُرسم صورتنا للآخرين، كيف نُرى في أعين الأفراد والمجتمعات؛ لأن سلوك أي درب في الحياة سيكون إضافة جديدة لسيرتنا الذاتية، تلك التي إما نستعرضها فخراً أو نخبئها خجلاً.
إنه عصرٌ يجري جري الغزلان، لا يتريث أو يتأنى، ينتهي اليوم بسرعة ويتلوه آخر، يتداخل الليل بالنهار ولا يبدأ الصباح إلا ويغشّاه الظلام، وبين طلوع الشمس ومغربها ينبغي أن يسعى المرء لتحقيق الكثير من مشاغل الحياة إلى السعي الدؤوب لتحقيق الذات والانتصار على آفة الجهل والتأجيل.
أنت نِتاج نفسك فحسب وما تريد أن تبني نفسك عليه، خُلاصة تراكماتك، إخفاقاتك، نجاحك، التفاصيل الصغيرة التي تصنعها بنفسك لك، بعد مرحلة عمرية محددة، كن متيقناً من أنك مسؤول عن كل ثانية تمر من عمرك، عن كل الأيام التي تُسجل في تاريخك، لم يكن لك الحق في اختيار بدايتك ولكن لك حق اختيار نهايتك، لم تكن مذنباً في ساعة ولادتك، لكنك ستكون آثماً في ساعة موتك إن مت على حالٍ لم تكتسب فيه شرف المرور بالحياة والخروج منها بفخر ترك أثراً طيباً يُترحم عليك من بعده.
بيدك لجام الأمور، ومقود المركبة، لك وحدك إمكانية خلق الحياة في روحك، محاربتك لجهلك، بدائيتك، سرعة غضبك، الأصدقاء المحبطون من حولك، صحتك المتداعية، ضعفك واستخفافهم بقدراتك، درجاتك السيئة في الدراسة، والساعات التي تقضيها والسماعات في أذنيك والهاتف المحمول في يدك.
أنت مسؤول عن الحياة التي تقضيها بلا حياة، عن الأيام التي تمر عليك دون أن تخطو خطوة واحدة للأمام والمداومة على مكانٍ واحد تعتبره زاوية الراحة التي لا تتجرأ على عبور حدودها. مهما اهتم الآخرون لأمرك فلن يصل اهتمامهم بك للدرجة التي تعرف أنت بها نفسك وتعلم كيف تسمو.
عليك أن تكون مستعداً للخطوة التالية، لمجابهة العقبات على اختلاف أحجامها، أن تزيحها جانباً وتكمل طريقك، أن تقتلع الأعشاب الضارة التي تنمو أمامك فتحجب عنك نور الشمس، لأنك تعلم في قرارة نفسك أن لك نجمك الخاص في هذا العالم، وأنت من ستتحكم بقوة بريقه، وأن تتيقن من أن شدة الظلام من حولك لن تزيدك إلا سطوعاً.
اضافةتعليق
التعليقات