كثيرا ما يحدث أن ينجذب الانسان إلى القطع النادرة سواء في محل لبيع الملابس أو الحاجات الأثرية والنادرة أو أشياء أخرى دون أن يسأل نفسه عن السبب، ربما يفسر هذا الأمر على أنه شعور نابع من حب التفرد، أو أن يكون مميزا في اختياره بصورة لا يشبه بها الآخرين ولكن فكرة أن يكون ضحية حالة اسمها الندرة المضللة هو أمر مثير للاهتمام، ويعاكس ما ترنوا إليها ظاهرة العقل الجمعي التي تؤيد فكرة انجذاب الشخص إلى ما يجذب العامة من الناس، ولكن من المعروف أن لكل قاعدة شواذ، وعلى أساس ذلك فإن هنالك أصناف من الناس يملكون مزاجا خاصا، وينجذبون إلى الأشياء الفريدة والخاصة، وعلى أساس هذه الحالة يذكر الكاتب عبدالله المغلوث تجربته وآرائه حول هذا الموضوع في مقال (الندرة المضللة): "كنت أثناء وجودي في مانشستر ببريطانيا أتردد على مطعم صغير تتوافر فيه سبع طاولات فقط. أضطر في كل مرة أذهب إليه أن انتظر نحو ساعة كاملة حتى تتاح لي فرصة تناول الطعام فيه. ظللت فترة أتساءل ما سر انجذابي له وتكبدي وعثاء الانتظار الطويل رغم أن طعامه تقليدي وغير استثنائي لا يستحق كل هذا الشقاء؟ حتى اكتشفت لاحقا أنني ضحية "الندرة المضللة" أو ما يسمى باللغة الإنجليزية "Scarcity Error" فأحيانا نكون فريسة لندرة الشيء فنتهافت عليه بغض النظر عن جودته وتميزه سواء كنا كبارا أو صغارا.
يروى أن أما حاولت فض اشتباك بين أطفالها فجلبت لهم علبة فيها مجموعة من الحلويات المتشابهة كلها تحمل نفس لون الغلاف إلا واحدة بلون مختلف، المثير أن الأطفال تَركوا كل الحلويات وتنازعوا على القطعة المختلفة والنادرة رغم أنها لا تختلف عن البقية إلا في لون الغلاف.
فهذا يعكس أننا منذ نعومة أظفارنا ونحن ضحايا لهذه الندرة المضللة. في إحدى الدراسات التي قرأتها في كتاب "فن التفكير الواضح" للكاتب روف دويبلي، طلب من الطلاب ترتيب عشرة ملصقات وفقا لمستوى تشويقها وجاذبيتها. بعد عدة دقائق، تم إخبارهم بأن الملصق الذي نال على ثالث أعلى تصويت لم يعد متوافرا فقد اختفى. ثم طلب منهم تقييم العشرة الملصقات من جديد، وكانت المفاجأة أن الملصق الذي لم يعد متوافرا حقق المركز الأول. وتعرف هذه الظاهرة في علم النفس بـ reactance أي التمرد النفسي الذي له علاقة مباشرة بالندرة المضللة، إذ يفضل المرء الشخص النادر وغير المتوافر على الشيء المتاح والمتوافر مهما كان أفضل.
فالإنسان يلهث وراء ما ليس لديه، ويزهد في الشيء الذي في متناوله. أي أنه حين نمنع من أحد الخيارات تزداد جاذبيته بالنسبة لنا. وهو يعتبر سلوك تحد ويعرف أيضا بتأثير روميو جولييت، حيث إنهما تمسكا بحبهما وناضلا في سبيله لأن حبهما كان ممنوعا، ونفس الحال تكرر في موروثنا مع عنتر وعبلة. وهناك مصطلح دارج في مجتمعاتنا وهو "كل ممنوع مرغوب" فكلما صار الشيء ممنوعا وصعب المنال بات مطلبا.
من الجميل أن نبحث عن الأشياء المختلفة والنادرة والصعبة لكن يجب أن نخضعها للاختبار قبل الإقبال عليها والقتال في سبيلها. ففي أحيان كثيرة يكون سر دهشتها في ندرتها فقط، بينما جوهرها هش ورديء وباهت وغير جدير بالمعاناة التي سنتكبدها من أجلها. "فاختر يا صديقي بعناية ما تقاتل من أجله".
اضافةتعليق
التعليقات