تُعد المصارحة أسلوبًا راقيًا في بناء العلاقات، خاصة داخل الأسرة، حيث تشكّل الصراحة أداة فعالة لتعزيز الثقة وتقوية الروابط بين الزوجين وأفراد العائلة. ولكي تكون المصارحة بنّاءة ومقبولة، لا بد من اتباع أساليب مدروسة تراعي المشاعر وتختار الوقت المناسب والكلمات الملائمة.
كما أن الحب والود لا يستمران تلقائيًا، بل يحتاجان إلى رعاية دائمة ومبادرات بسيطة تترك أثرًا عميقًا. هذا المقال يستعرض أهم طرق المصارحة الناجحة، وأساليب الحفاظ على الحب بين الزوجين، ويختتم برؤية الإسلام الراقية لأهداف الزواج وبناء الأسرة.
كيف تكون المصارحة بالخطأ سهلة ومقبولة:
احترام المشاعر: إذا رسب أحد الأبناء في مادة الرياضيات مثلاً، فلا يحق لوالديه أن يسبّا شخصه، فهذا يُعدّ هجومًا على شخصه وإهانة له، ولا يساعد على تقويم الخطأ، بل يترك أثرًا عكسيًا.
الموضوعية: يجب على أحد الزوجين ألّا يخلط بين ما يحدث في الحاضر وأحداث الماضي، كأن ترتكب الزوجة خطأ بسيطًا، فيقوم الزوج بتذكيرها بأخطاء قديمة، ناسيًا أن يُركّز على الخطأ الحالي فقط.
اختيار الكلمات: انتقاء الكلمات سلاح ذو حدين؛ إمّا أن يزيد المشكلة اشتعالًا، أو يساعد في حلّها. لذلك، فالوضوح مطلوب، وتجنب الغموض أمر ضروري عند المصارحة. على الزوجين أن يتحدثا بصدق وصراحة دون تحوير للكلمات.
الأسلوب الهادئ المباشر: الصوت الهادئ في المصارحة مهم جدًا، إذ أن ارتفاع الصوت يُظهر الغضب ويُعطل الحوار، كما أن الإشارات الانفعالية باليدين قد تزيد التوتر.
التجزئة في المصارحة: لا ينبغي أن تُقال جميع العيوب دفعة واحدة، بل من الأفضل أن تكون المصارحة مجزّأة، كأن يذكر الزوج ملاحظة واحدة كل فترة. وكذلك الزوجة عندما تريد مصارحة زوجها بسلوكيات غير محببة.
اختيار الوقت المناسب: أنسب وقت للمصارحة هو عندما يكون الطرفان هادئين، فالمصارحة لا تنجح في أوقات التوتر.
العزلة: لا يحق لأحد الزوجين أن يُعاتب أو يُصارح الآخر بأخطائه أمام الآخرين، سواء كانوا أهلًا أو أبناء، فذلك يُحدث شرخًا في العلاقة. الانفراد بالحوار هو الأفضل.
البدء بالإيجابيات لا بالسلبيات: من الأفضل أن يبدأ الحوار بذكر الجوانب الإيجابية، لتمهيد الطريق للمصارحة بالسلبيات.
عدم تأجيل المصارحة: لا يجب تأجيل المصارحة إلى سنوات لاحقة، بل يجب أن تبدأ تدريجيًا منذ بداية الحياة الزوجية.
الطابع الجماعي للمصارحة: يجب أن تسود المصارحة في أجواء الأسرة بين جميع أفرادها، فالفرد الصريح وحده لا يكفي لبناء أسرة ناجحة.
أشياء بسيطة تساعد على استمرار الحب بين الزوجين:
الإكثار من الكلمات الطيبة في التعامل مع أفراد الأسرة، وخصوصًا الزوج.
سؤال الزوج عن يومه.
الإنصات له ولمشكلاته، ومحاولة المساعدة في حلّها.
شكره عند أداء أي عمل، حتى وإن كان بسيطًا.
التعبير عن الإعجاب به وبمظهره، مما يجلب له السعادة والاستقرار.
الخروج معًا إلى أماكن محببة دون وجود الأطفال.
الاطمئنان عليه أثناء عمله، مما يشعره بالاهتمام.
الإصغاء له عندما يتحدث.
التعاطف مع مشاعره عند الضيق، ومساعدته في تجاوزه.
تقديم هدايا بسيطة له من حين لآخر.
الاهتمام به وجعل هذا الاهتمام من أولويات الحياة.
أهداف الإسلام من بناء الأسرة:
قال الله تعالى:
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا" [الروم: 21].
الزواج في الإسلام ليس مجرد علاقة، بل هو وسيلة لتحقيق السكن والاستقرار بجميع أشكاله:
الاستقرار النفسي: حيث يعيش الإنسان حالة من الحب والانسجام تنعكس على حياته ككل.
الاستقرار الجسدي: الزواج يُلبّي المتطلبات الجسدية للطرفين بما يحفظ الكرامة.
الاستقرار الاجتماعي: يتيح الزواج بناء أسرة والتفاعل البنّاء مع المجتمع.
الاستقرار المادي: من خلال تنظيم الحياة اليومية وتوزيع المسؤوليات.
الاستقرار الإداري: حيث يُسهم التعاون بين الزوجين في إدارة شؤون الأسرة.
وقال تعالى:
"هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ" [البقرة: 187].
في هذه الآية تشبيه رائع للعلاقة بين الزوجين، ومن أبرز دلالاتها:
كلاهما حصن للآخر: كما يحمي اللباس الجسد، يَحمي كلٌ من الزوجين الآخر نفسيًا وجسديًا.
كلاهما ستر للآخر: كما يستر اللباس العيوب، يستر كل طرف نقائص الآخر.
كلٌ منهما زينة للآخر: كما يُزين اللباس صاحبه، يُجمّل كلٌ من الزوجين صورة الآخر أمام المجتمع.
وقال تعالى:
"وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً..." [النحل: 72].
ومن مقاصد الزواج أيضًا: تكثير النسل الصالح، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
"ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلًا؟ لعل الله يرزقه نسمة تثقل الأرض بـ(لا إله إلا الله)" [وسائل الشيعة، ج20، ص14].
اضافةتعليق
التعليقات