ما أن يَحل محرم شهادة أبي عبد الله (عليه السلام) حتى يأتي منه إلينا طائر سعد ليرفرف على نوافذ قلوبنا، تلك التي مهما اغتربت ورحلت عنه بعيدًا تعود له، تبقى تميل إليه لما تحمله من نوره والحنين إليه لأنها نفوس خُلقت من فاضل طينته صلوات الله عليه.
فهي ما إن تسمع ذلك الخطاب- من ذلك الزمن البعيد القريب- حتى تتهيأ للإجابة، إذ لابد أن تحمل إجابة خاصة وصادقة لا تخفى حقيقتها عن صاحبها ولا عن إمامها المعصوم الشهيد الشاهد، إنه سؤال:" من كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا"(١) .
نعم.. الرحيل، فهو يعني أن تقرر ترك ما أنت عليه دون التفات أو رجعة من أجل من أنت راحل معه وإليه.. يعني أن تتخلى عن كل موطن شخصًا كان أو شيئًا، مكانةً أو موقعًا أنت متعلق به متى ما كان عائقًا قد يمنعك أو يصعب عليك قرار الرحيل مع قافلة إمامك الحسين (عليه السلام).. يعني أن تكون دقيقًا وواعيًا بالزاد الذي ستحمله معك في ترحالك، ليعينك على أن تكمل مسيرك وتبلغ مرادك.
إذ إن الإمام (عليه السلام) هنا وضع شرطان أولهما بذل مهجتك فيه، لتصل إلى تحقيق الشرط الثاني وهو توطين النفس للقاء الله تعالى- بإخراج حب الدنيا وما فيها من قلبك- ولعل تقديم بذل المهجة في سبيل الإمام على توطين النفس للقاء الله تعالى، لأن الإمام هو المثال والقدوة في السائرين والباذلين والموطنين أنفسهم على لقاء الله تعالى، فلابد من الاقتداء فيه فهو الموصوف بذلك بدءً كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: [وبَذَلَ مُهجَتَهُ فيكَ لِيَستَنقِذَ عِبادَكَ مِن الجَهالَةِ... ]، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى وكأن بذلك تكريمًا وتعظيمًا من الله تعالى لمقام الإمام أن نبذل نحن مهجتنا فيه لأنه بذل مهجته فيه (جل وعلا) وذلك لأجل نجاتنا، وهل جزاء إحسان الإمام لنا غير أن نُحسن في بذل أنفسنا لأجل إحسانه هذا.
فإن لكل محب موالي رحيله الخاص، فالرحيل مع الإمام مستمر والقافلة لازالت تسير فهي قافلة الحق التي لا تتوقف، والنور الذي لا ينطفئ، فكم من الأشياء التي لازالت تعيقنا علينا أن نتخلى عنها؟ وكم من الأمور التي انشغلنا بها وشغلتنا عنه؟ وكم من المواطن التي لا ننتسب إليها لازلنا لم نتركها لنرحل إليه [فبالرحيل اليه رحيل معه واقتراب منه..].
بالنتيجة ما هو مهم أن نبقي نافذة هذا القلب مفتوحة في كل عام، فيأتي الخطاب ونستقبله ويأتي النداء ونستجيب له، كي لا نتوقف ونخطو بخطوات جديدة، تلك التي بها نرجو أن نصل إلى قلب الإمام في ختام أعوام عمرنا هذه، فرحيلنا إليه ولو ببضع خطوات في الدنيا سيكون سببًا لنجاتها عند رحيلنا منها؛ فننجو به.
اضافةتعليق
التعليقات