ذات ليلة دخلت ولم اجده، بين الواقفين، بحثتُ عنه في كل مكان، بين الركن والمقام، بين الحطيم وزمزم، لم اعثر على اي شيء يدلني عليه، في هذا المكان مستغربة فليس من عادته ان يتأخر او يتركني، حشاه وربي، فهو اول من يلبي، شارف وقتي على الانتهاء، لم اتمكن من القضاء من دون ان اعرف عنه شيء!.
طوت لي المسافات ونظرت الى كل المصلين، ايضا لم اجده، توقفت في المنتصف وحيدة حزينة، انكشف لي الغطاء، فنظرت الى بقعة من الارض، عليها اتربة الخيل، والدخان متصاعد الى عناق السماء، اصوات مخيفة جدا، ظلام الليل كان مختلف هنا، فتسمرت عيناي من الحال، وضاق بي، تناثر الجثث فيها كحبات لؤلؤ انفرطت من عقد، ذلك الغبار الذي غطى ملامحها، قطع من القماش الممزق، قطرات من الدم، وناحية اخرى بركة وعليها بقايا من الرؤوس المقطعة، صراخ الاطفال كان يملأ المكان، من الرعب الذي كان يحيط بهم من كل جانب..
اقتربت منهم كزهور ذابلة منذ ايام لم تسقَ بالماء، فأصبحت اوراقها صفراء باهتة، رأيتها تتلفت يمنى ويسرى، تبحث عن من يضمها، كأن شبح الموت جاء ليفترسها، وطفلة اخرى تبحث بين بقايا الرماد عن قرطها، والدماء تسيل منها، وامرأة ترتدي عباءَةَ مغبرة، جالسة تحتضن ما بقي لها، الجمرات حرقت اقدامها وشعلت النار في ثيابها، وعليها اثار دخان، وقد أخذت ركناً عند خيمة ممزقة..
ليل مرعب هنا، وعندما علمت بدخولي، جلست تؤدي فريضة الليل من الجلوس، كانت الدموع تتسلل من عينيها، وشعور بالاختناق يدور في جوفها، وغصة محرقة في قلبها، علمت انني جئت ابحث عن خليلي، تعبقُ أرجاءَ مَنفَسِي، ومن ملامحها فهمت انه قريب منها، ادور في ساحة المعركة.. شممت عطره، دنوت من الرائحة انها والله رائحة حبيبي، وجدته ممزقَ الثيابِ، مدمى الجسد، وتتلاقى الجروح في صدره..
حتى انها ظهرت خرز الظهر من الصدر، رعشة قاسية ضربتني، وشعاع يضيء منه كأنه محراب الملائكة، أشلاء منه كانت مبعثرة، كل قطعة منه في مكان، حاولت ان اجمع تلك القطع وارتبها، فقد كانت خير شهود على اداء فريضتي، وبين الرمال الحارقة وجمرات الخيام، ابحث عن الرأس، وعن الخنصر، لعلي اعيدها الى الجسد، وهذه المرة انا من يؤدي فريضة الصلاة عليه، وانا من يهيء له الوضوء، وانا اسكب الماء على اعضائه المقطعة، كل ليلة كان يؤديني فما لي هذه ليلة والجفاء، ورحلت انفاسه التي لا تزال تعانقني في تهجد الليل، وكأني بنداء قريب يهمس في مسامعي لينهي حيرتي! انه ترك وصية لأخته السيدة زينب عليهما السلام: (اذكريني في صلاة الليل). وانا تلك الصلاة كيف لي ان انسى تهجدك وبكاءك في محرابي، افتقدك هذه الليلة يا خليلي..
اضافةتعليق
التعليقات