يعتبر الإغتيال المعنوي عملية إعلامية تقوم بالسعي المتواصل لترويج رسائل اتصالية متنوعة تهدف إلى التشكيك في مرتكزات الثوابت الإنسانية الراسخة عبر صور مزيفة كاذبة عن الفرد أو المجتمع الذي تستهدف قوى الشر اغتياله معنوياً..
هذا النوع من الحروب لا تحكمه قوانين أو أساليب دفاعية، فهي حرب هجومية، تؤدي إلى تدهور المجتمع سلوكيًا، ونفسيًا، وأخلاقيًا، وتظل ملتصقة بالضحية حتى بعد مماته، لتحدث ضررًا أكبر بالأجيال اللاحقة، حيث من الممكن أن يُزيف التاريخ على إثرها.
وكل الأديان والقوانين البشرية ترفض وتجرّم الإغتيال المعنوي كونه يقوم على الغيبة والنميمة والتزييف ونشر الشائعات والإساءة إلى سمعة الفرد ودوائر انتمائه كالأسرة وجهة العمل ومكان السكن وغيرها.
وهنا يتجاوز من يمارس متعمداً حالة الإغتيال المعنوي ما نقبله من حق النقد أو حرية الرأي والرأي الآخر.. ونصبح أمام تعمد ترويج الكراهية وتشويه الإنسان بالباطل.. وهي جريمة ترفضها الإنسانية كلها..
فبضغطة زر واحدة يُنشر الأمر أمام العامة، وبضغطة أخرى من آخرين وهم مستلقون على الأريكة في منازلهم يمكنهم مشاركة هذا الأمر لآلاف المتابعين، ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. في عصر وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد هناك أسهل من تزييف الأخبار ونشرها، ووفقًا للإحصاءات الأخيرة، فإن الأخبار الكاذبة تنتشر بسرعة أكبر من الأخبار الحقيقية.
والأمر لا يتوقف على الأخبار المزيفة فقط، فوسائل التواصل منحت الحق لكل مستخدم أن يعبر عن رأيه في الحياة الشخصية للآخرين وعلى الملأ. وأصبح من أسهل الأشياء أن تغتال شخصًا معنويًا على تلك المواقع، بمجرد أن تضع صورته وتكتب معها الرأي أو التهمة التي توجهها إليه، وتدور دائرة المشاركة، أو من خلال مقاطع مقصوصة من مقطع طويل نشره الشخص في محاولة لتحويره لإلصاق تهمة ما به.
وهناك نوعان من الإغتيال المعنوي، وهو الذي يفعله العامة دون وعي بغرض السخرية والتعالي على المشاهير، والنوع الثاني الممنهج والمدروس، وهو عادة ما تقع فريسته الشخصيات السياسية. في هذا التقرير نخبرك عن تقنيات الاغتيال المعنوي، وكيف يمكنك النجاة منها على وسائل التواصل الإجتماعي.
ما هو الإغتيال المعنوي؟
الإغتيال المعنوي لشخصية الفرد هو الجهد المتعمد والمتواصل للإضرار بسمعته ومصداقيته، ويمكن تطبيق هذا الاغتيال أيضًا على مؤسسات وجماعات بعينها، ويُستخدم في الاغتيال المعنوي أساليب مدروسة من نشر الاتهامات الباطلة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الأخبار الكاذبة، وزرع الشائعات والتلاعب بالمعلومات، وتضليل أنصاف الحقائق بقصد تدمير ثقة الجمهور به، وتعتبر المنشورات الموجودة على «السوشيال ميديا» من أسرع الوسائل انتشارًا وفعالية في الاغتيال المعنوي، خاصة الطريف منها، والذي يعرف بالـ«ميمس» الساخرة.
مصطلح الاغتيال المعنوي أو «Character assassination» عُرف في أوساط علم الاجتماع منذ عام 1930 عندما طرحه عالم الاجتماع جيروم دايفيس للدراسة من خلال مجموعة من مقالاته والتي كان هدفها الأساسي التركيز على خطورة حملات التشهير ضد الشخصيات السياسية، وحتى الآن لم يزل هذا المصطلح، وتطور أساليبه مع تطور وسائل الإعلام والتكنولوجيا، موضوعًا مُهما للدراسة.
الاغتيال المعنوي عندما يستخدم عمدًا عادة ما يكون ضد شخصية سياسية في ظاهرة اجتماعية يُطلق عليها «Ad hominem» وهو مصطلح لاتيني معناه بالإنجليزية «To The person»، وبالعربية يعني «لشخص» أو في «اتجاه شخص»، ويشرح علم الاجتماع تلك الظاهرة، أو الأداة بأنه الإستراتيجية المستخدمة لمحاربة فكرة سياسية عن طريق الاغتيال الشخصي والمعنوي للشخص المتحدث باسم هذه الفكرة، وبهذه الإستراتيجية ينجح من يقوم بها بتحويل انتباه الجماهير من جوهر القضية الأصلية إلى شخصية طارح الفكرة المستهدف من الاغتيال بغرض تجنب الجدل المنطقي حول القضية السياسية التي يطرحها هذا الشخص.
وعُرف هذا المصطلح للمرة الأولى في اليونان القديمة، وكان وقتها عادة ما يستخدم لمهاجمة الأفكار الفلسفية المطروحة على الساحة عن طريق مهاجمة شخص الفيلسوف نفسه، ولكن في التاريخ الحديث يعرف هذا المصطلح بين السياسيين حول العالم.
كيف تنجو من الاغتيال المعنوي؟
عندما يقع الاغتيال المعنوي على مواقع التواصل الاجتماعي لشخص ما، يشعر هذا الشخص أنه لم يعد هناك مكان آمن له حتى منزله، يشعر أنه يقف عاريًا في صحراء جرداء، وتبدأ الآثار السلبية، سواء العقلية، أو العاطفية، أو الجسدية، تظهر عليه وتتمثل في الضيق، والإحراج، والغضب، والشعور بالخجل، وفقدان الاهتمام بالأشياء التي يحبها، وتمنحه المتعة عادةً، كما يتعرض إلى الأرق والشعور الدائم بالتعب، وفي بعض الأحيان آلام المعدة والصداع.
ولذلك فالخطوة الأولى التي يجب اتباعها في التغلب على الاغتيال المعنوي، هي السيطرة على تلك الأعراض وإدراكها؛ حتى لا تؤثر سلبًا على رد الفعل؛ لأنه عادة هذا الشعور بالخوف والقلق يدفع الشخص المعرض للاغتيال المعنوي إلى أن يرتكب تصرفات، وينشر منشورات تمنح الطرف الآخر فرصة أكبر للمزيد من المكاسب، فكل كلمة ستقال دون انتباه كامل من الشخص المدافع عن نفسه، وكل صورة، وكل مقطع مصور، يمكن استخدامه ونشره مرة أخرى كسلاح جديد في الإغتيال.
ولذلك فإذا كان عليك الرد على هذا الشخص، خاصة لو كنت شخصية عامة، فعليك بالهدوء، والإستعانة بالآخرين الذين تثق فيهم لمساعدتك في الرد، ويفضل في هذه الظروف اللجوء إلى محام ليكون دليلًا فعالًا لك حتى لا ترد ردًا غير قانوني يوقعك في الفخ، ولذلك يُنصح ضحايا الاغتيال المعنوي بعدم الرد إذا لم يكونوا في حاجة ماسة لذلك، أو إذا لم يكونوا مطالبين بإجابات واضحة وصريحة تجاه قاعدتهم الجماهيرية كما هو الوضع في الإغتيال المعنوي للشخصيات السياسية.
بعد مرور الخطوة الأولى، والتي تخص الرد، سواء قمت به أو تجاهلت الاتهامات الموجهة إليك – وهو الحل الأفضل في معظم الحالات – يجب عليك إدراك أهمية القضية التي تقف وراءها، والتي تسببت في هذا الاغتيال، وتذكر ما ذكرناه سابقًا من أن الخصم لا يلجأ للاغتيال الشخصي والمعنوي، فهو ليس لديه ما يهاجم به القضية التي تقف وراءها، ولذلك فعليك إدراك أهمية وقوة ما تمثله لدى قاعدتك الجماهيرية، وتلتزم به، ولا تجعل تلك الضجة على مواقع التواصل الاجتماعي توقفك.
استمر في نشاطك الطبيعي على صفحتك الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومهما كنت محطمًا نفسيًا فلا تجعل هذا الإحساس يسيطر عليك، أو يجعلك تحاول الاختباء، أو الهروب من الموقف، فمهما كنت ضحية لهذا الاغتيال، ومهما كانت الشائعات كاذبة، فإن هروبك وعدم ظهورك على مواقع التواصل الاجتماعي سيتمثل في ذهن الجماهير على أنه ليس سوى دليل إثبات لتلك الاتهامات ضدك.
في بعض الأحيان، ومع بعض الشخصيات العامة، قد يصل الوضع إلى ضرورة الظهور في واحدة من وسائل الإعلام للرد على تلك الشائعات، وإذا كان هذا الشخص مرشحًا سياسيًا فعادة ما تكون رفاهية تجاهل الرد ليست متاحة له، ولذلك عليك في هذه الحالة ألا تظهر على شاشات التلفاز بموقف المدافع، لا تحاول أن تكون مدافعًا عن نفسك أكثر من اللازم؛ فهذا قد يرسخ في ذهن المشاهدين أنك مذنب بالفعل.
ولكن عليك أيضًا أن تقول الحقيقة، ولأنه عادة ما يُستخدم في الاغتيال المعنوي نصف الحقيقة وتغليفها بالأكاذيب، وقد تكون نصف الحقيقة محرجة لك، فعليك في تلك اللحظة الحرجة أن تكون صريحًا، فتعترف بما هو حقيقي، وتنفي ما هو كذب؛ لأنك إذا أنكرت الأمر كاملًا، وقدم الطرف الآخر دليلًا بعد ذلك على نصف الحقيقة، فسيكون النصف الآخر الخاص بالأكاذيب حقيقة أيضًا في نظر الجماهير.
على الجانب الشخصي يجب أن تكون مستعدًا أن هناك بعض أصدقاء وأقارب قد يصدقون ما يروج عنك من شائعات، ويجب أن تكون قويًا أمام المواقف السلبية التي قد يتخذها البعض على أرض الواقع معك، ولا تجعل تلك المواقف السلبية تقلل من عزيمتك.
في النهاية النصيحة الأمثل التي يقدمها الكثير من الخبراء حول الإغتيال المعنوي، وتلك الحرب التي قد تشن ضدك، هي ألا تشارك في تلك الحرب من الأساس، إلا إذا كنت مضطرًا. فتجاهل تلك الشائعات يضعف من قوتها، بينما الرد عليها بالمنشورات والمقاطع المصورة مثل سكب البنزين على النار، ولذلك فإن التجاهل، والتركيز على قضيتك وإنجازاتك، هما السلاح الأقوى في تلك الحرب غير الدموية.
اضافةتعليق
التعليقات