يهيؤ جيرمي كوثران نفسه كل شتاء لما قد يلحق بعائلته المكونة من زوجته وثلاثة أطفال لم يبلغوا بعد سن الدخول إلى المدرسة، من نزلات برد أو كوفيد-19 أو التهابات جرثومية. بيد أن الفترة التي سبقت احتفالات عيد الميلاد كانت أسوأ مما توقعه.
يقول الشاب، الذي يعمل مديرا لشركة لتكنولوجيا التوظيف في ستوكهولم، ويبلغ من العمر 41 عاما: "اعتدنا كآباء على إصابة أطفالنا بنوبات من الحمى أو فيروس نورو، حيث يبلغ المرض ذروته مع حالات قيء ليلي، تتبع بزيارات مستمرة لمراكز غسيل الملابس التي تزاول نشاطها في المبنى الذي نقطنه من أجل غسل الملابس والملاءات المتسخة".
وعلى الرغم من ذلك، تسهم سياسة فارد أو بارن (وتعرف اختصارا بـ "فاب")، ويمكن ترجمة معناها إلى سياسة "رعاية الأطفال"، في تخفيف الضغط على عائلته؛ إذ تقوم هذه السياسة على تقديم إجازة مدفوعة الأجر يحصل عليها الآباء من أجل رعاية أطفالهم في حالة المرض.
ويعني ذلك أن الآباء في السويد، على نقيض العديد من الأشخاص في شتى أنحاء العالم، لا يضطرون إلى البحث عن أقارب أو أصدقاء لمساعدتهم، أو طلب إجازة غير مدفوعة الأجر أو حتى الاستمرار في العمل من المنزل، أثناء مرض أطفالهم.
ويقول كوثران، وهو من أصول أمريكية: "إنها شبكة أمان هائلة".
وقد استفاد هو وزوجته، التي تعمل مديرة تسويق، من إجازة "رعاية الأطفال"، والتي كانت مدتها تسعة أيام، أثناء فترة مرض أطفالهما الأخيرة.
عن هذا يقول: "ليس لدينا أي دعم عائلي آخر على الإطلاق في السويد، لذا نواجه صعوبة في التعامل مع المفاجآت التي تعترض روتين الأسرة لدينا. فلولا سياسة "رعاية الأطفال"، لعجزنا عن إدارة شؤون حياتنا المهنية والأسرية وصحتنا النفسية في ذات الوقت".
وإلى جانب السياسات الداعمة للأسرة الأكثر شهرة في السويد، مثل إجازة الوالدية ورعاية الأطفال المدعومة، تستفيد الشركات السويدية من سياسة إجازة "رعاية الأطفال" بشكل متزايد كأداة لجذب أصحاب الخبرات من الأجانب مثل كوثران، والحفاظ عليهم.
لكن على غرار مبادرات دعم الموظفين الأخرى، مثل العطلات غير المحدودة أو فترات التمرين الإلزامية، يصاحب إجازة "رعاية الأطفال" بعض المخاوف من أنها قد تعرقل الحياة المهنية للآباء إذا استفادوا منها كثيرا.
ثقافة عمل داعمة للأسرة
قد يتصور البعض أن إجازة "رعاية الأطفال" فكرة وردت على أذهان أرباب العمل خلال جائحة كورونا، لكنها في الواقع أمر منصوص عليه في القانون السويدي منذ عقود.
يحصل الآباء من خدمة التأمينات الاجتماعية على 80 في المئة من الراتب، بحد أقصى يصل إلى 1081 كرونة سويدية (120 دولارا) في اليوم، ويستطيع الآباء والأمهات الاستفادة من عدد من الأيام يصل إلى 120 يوما لكل طفل سنويا، حتى بلوغ الطفل سن 12 عاما، مع اشتراط تقديم تقرير طبي يثبت الحالة المرضية بعد كل ثمانية أيام متتالية.
كما يمكن للآباء ترشيح أفراد من العائلة أو الأصدقاء أو الجيران الآخرين كمقدمي رعاية يتقاضون رواتبهم من سياسة "رعاية الأطفال" نيابة عنهم، ويحق حتى لأصحاب الأعمال الحرة الحصول على المخصصات، والتي تُحدد بناء على دخلهم السنوي المكتسب. ويجري تقديم جميع المستندات الورقية عن طريق تطبيق لهيئة التأمين الاجتماعي السويدية.
ولا يستطيع أرباب العمل رفض حق الموظف في الحصول على إجازة "رعاية الأطفال"، بل تدعم معظم الشركات الآباء في حالة رغبتهم في الاستفادة بها.
ويقول كوثران: "رئيسي في العمل لديه طفلان، ويحتاج غالبا إلى إجازة (رعاية الأطفال) لذا فإن الشركة بأكملها تتفهم ذلك. كما يوجد لدينا رمز يدل على استفادة شخص بإجازة رعاية الأطفال في الشركة على الفور".
وعلى الرغم من أن طول المدة التي تقضيها الدولة والشركات السويدية في مساعدة العائلات التي لديها أطفال مرضى قد تدعو إلى الاندهاش في دول يُعتمد فيها على مؤسسات خاصة لتقديم خدمات الرعاية الصحية ورعاية الأطفال، إلا أن هذا الأمر يعد طبيعيا ومنطقيا في سياق تاريخ السويد الطويل من السياسات الداعمة للأسرة.
بدأت السويد تطبيق سياسة إجازة "رعاية الأطفال" في عام 1974، في نفس الوقت الذي أصبحت فيه أول دولة في العالم تقدم إجازة والدية مدفوعة الأجر بشكل متساو بين الجنسين.
وتقول كاتارينا بوي، وهي عالمة اجتماع في المعهد السويدي للبحوث الاجتماعية، إن إجازة "رعاية الأطفال" أصبحت الآن "راسخة جدا وعملية جدا للآباء" لدرجة أنها تحظى بقبول واسع من جانب الأحزاب والناخبين من مختلف التوجهات السياسية.
وتقول كاثرينا باك، الباحثة في اتحاد الشركات السويدية، الذي يضم 60 ألف شركة، إنه على الرغم من كون إجازة "رعاية الأطفال" تمثل تحديا واضحا، بالنسبة لأرباب العمل، من حيث تعطيل المشاريع المخطط لها أو جدول تناوب العمل بين الموظفين، إلا أنها لا تزال تحظى بشعبية لدى الشركات، لأنها تمكّن الشركات من جذب قوة عاملة متنوعة والحفاظ عليها.
وتضيف أن إجازة "رعاية الأطفال" تعد أحد العوامل التي جعلت السويد تتمتع بأعلى معدل توظيف للمرأة على مستوى دول الاتحاد الأوروبي، لأنها تيسر عليهن الاستمرار في العمل أثناء رعاية الأطفال الصغار.
وتقول: "نظام إجازة الوالدية والتأمين، بما في ذلك إجازة (رعاية الأطفال) تعد متطلبا أساسيا لكلا الوالدين للجمع بين الحياة العملية والحياة الأسرية".
كما أنها أمر مفيد حتى لمن ليس لديهم أطفال، إذ أنها تساعد في الحد من انتشار المرض بين الموظفين في بيئات العمل، وهو الأمر الذي اتضح أثره الإيجابي خلال جائحة كورونا.
وتقول أسا سيفينسون، البالغة من العمر30 عاما، والتي تعمل مسؤولة اتصالات في جنوب السويد، وليس لديها أطفال: "كان للخطوة تأثير إيجابي عليّ، لأن زملائي لا يأتون إلى العمل حاملين عدوى من أطفالهم الصغار".
بالإضافة إلى ذلك تستمتع سيفينسون بفرصة العمل جنبا إلى جنب مع العديد من الأمهات الشابات، وهو الأمر الذي تعتقد أنه لن يكون متاحا لها بشكل كبير لو كانت تعيش في بلد يملك نظام رعاية اجتماعية أقل تطورا، وتقول: "إنه شيء تضامني ... كامرأة وداعمة لحقوق المرأة، أعتقد أن هذا أمر رائع للغاية". حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات