قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ). الإسراء/ 70.
على أحد مواقع أو تطبيقات الأفلام والمسلسلات، يُعرض إعلان أو ملصق لفيلم جديد، صورة عرض مميزة، ألوان جذابة، فكرة مستجدة، وأبطال العمل من الممثلين الذين يحققون شهرة واسعة، حيث أن وجودهم في العمل الفني بحد ذاته يُعد دعاية مربحة ومروّجة. من ذا الذي سيتردد في مشاهدة فيلم بطله فلان الفُلاني وقصته على مستوى عالٍ من الإثارة والتجديد، ومن إنتاج من؟ شركة عالمية ومكتسحة لسوق إنتاج المحتوى المرئي مثل نتفليكس! لابد أن يكون المحتوى جديراً بالمشاهدة! هذا ما سيدور في ذهن أي شخص طبيعي يقع في المكائد المبرمجة لهذه الشركات والمنصات.
وفقاً للإحصائيات التي جاءت في بيان أرباح شركة نتفليكس والتي أصدرتها الشركة في الــ20 من يناير للعام الحاليّ 2022 هنالك 8.3 مليون مشترك جدد قاموا بالتسجيل في خدمة نتفليكس في الربع الرابع من السنة الماضية، وهذا الرقم أقل بكثير من التوقعات المقررة للأرباح ويُمثّل اتجاه هبوطي في أعداد المشتركين، وهو أقل رقم يُضاف للشركة منذ سنة 2017. والأسوأ من كل ذلك إن نتفليكس تُحذّر من تباطؤ نمو المشتركين بشكل كبير في أوائل العام الحالي، حيث تتوقع إضافة 205 مليون مشترك فقط في الثلاث شهور الأولى من هذا العام، وهذا أقل بكثير من توقعات المحللين والمستثمرين بوصول عدد المشتركين لـ 4 ملايين مشترك خلال الفترة ذاتها وبالتالي يُعتبر أداء الشركة بالنسبة لنمو عدد المشتركين في هذه الفترة، أسوأ أداء منذ 5 سنوات تقريباً.
إن هذه النتائج المُخيّبة للآمال دفعت المُستثمرين للتخلص من سهم نتفليكس مما أدّى لانخفاض السهم لأكثر من 30% منذ وقت إعلان النتائج. مما يعني أن 66 مليار دولار قد مُحيت تماماً من القيمة السوقية لنتفليكس، وبالتالي يمكن القول إن شركة نتفليكس تحولت من بث مسلسل "لعبة الحبّار أو Squid Game" إلى كونها لاعب فعليّ في اللعبة، لاعبٌ متأهب لقتل الجميع لغرض تحقيق أهدافه ونصره الشخصيّ، وبشكل عام يتم التركيز على نمو المشتركين تحديداً لأنه يُعد المقياس الأكثر أهمية لنجاح خدمات البث وشركات العرض. ومن عساه يكون الورقة الرابحة لهذه اللعبة سوى المشاهد المغلوب على أمره وعقله!.
الرئيس التنفيذي لشركة نتفليكس Reed Hastings قال في مكالمة للمستثمرين إن النموّ البطيء لعدد المُشتركين مُحبط جداً بالنسبة لهم. وهنا يمكن الإشارة إلى سببين أساسيين لتباطؤ أعداد المشتركين بهذا الشكل المخيف:
السبب الأول ذكرته الشركة نفسها حين ألقت اللوم على ظروف الاقتصاد العالمية في العديد من المناطق والتي تأثرت بسبب المتحوّرات الجديدة لوباء كوفيد19 ، فعندما جاءت جائحة كورونا، فإن جميع القطاعات الاقتصادية العالمية حدث فيها خلل، فالبعض إنهار ودول كثيرة جداً أعلنت أنها تأثرت بالجائحة ما عدا قطاعين :
١- شركات الأدوية المصنعة للقاح.
٢- منصة نتفليكس.
و بالأرقام لقد حققوا مبالغ خيالية أكثر من أي وقت سابق.
بالإضافة إلى أن ارتفاع في معدلات التضخم أثّر على مستويات معيشة الأفراد وبالتالي لم يكن هنالك رفاهية اقتطاع جزء من مدخلاتهم المادية للاشتراك في منصة نتفليكس، وهذا حصل تحديداً في مناطق مثل أمريكا اللاتينية حيث تساهم بحصة كبيرة من مشتركي المنصة.
إن شركات البث عموماً مثل نتفليكس، استطاعوا جمع أعداد ضخمة من المشتركين في وقت الحجر الصحي لسنة 2020 ولهذا السبب توسع حجم الشركة خلال هذه الفترة. ومع بداية عودة الحياة الطبيعية في معظم الدول تأثّر نمو الشركة بشكل كبير ورغم ذلك لا يُعد هذا تفسيراً واضحاً لتراجع أعداد المشتركين في الأسواق التي تُهيمن عليها نتفلكس مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وهذا يأخذنا للسبب الثاني الأساسي وهو المنافسة الرهيبة التي تواجه شركة نتفليكس من قِبل شركات بث الفيديو الأخرى وهو ما اعترفت له نتفليكس لأول مرة في الآونة الأخيرة.
يمكن للفرد العربي أن يلاحظ تكثيف هذه الشركة في الآونة الأخيرة لإنتاج أعمال عربية من أفلام ومسلسلات، وما لا يمكن أن يكون خافياً على أي مشاهد كامل الوعيّ أو حتى ناقصه أن هنالك أهداف مبطّنة تستهل نتفليكس الفرصة لكي توصلها للفرد العربي صغيراً كان أم كبيراً، وبالتالي تُحدث تغييراً في فكره ومبادئه وهذا الفرد بدوره جزء من عائلة والعائلة نواة أساسية في بناء المجتمعات، إن خطط هكذا شركات تكون مبنية بعناية فائقة، يُعمل عليها باحترافية عميقة وتُدس في عقول الأفراد بأكثر الوسائل نعومةً وترفاً وتبطيناً.
تعزف هذه المنصة إيقاعاً سلساً وجميلاً لسامعه، تحفز عقله لاستيعاب الرسائل المدسوسة بقناعةٍ بالغة، لدرجة أنه لن يصدّق كم إن استجابته لأمورٍ تقف على الضد من مبادئه تبدو ممكنة! يتداخل هذا العزف مع الجانب العاطفيّ، الصوريّ، واحترافية تجميل المشهد الفنيّ للمتلقي، إضافة إلى اللعب على الجانب الإنساني بذكاء خبيث. يجسدّون الأمور التي يقف ضدها الدين والمبدأ والفطرة البشرية بشكلٍ يحفز المرء على قبوله والتعاطف معه بل والدفاع عنه! مسلسلات وأفلام تنهال على شكل دفعات، يشاهدها أطفال وكِبار، نساء ورجال، عنف، قتل، دماء، وتبرير أحقية الشذوذ والمحرمات بل وتبسيط الكبائر والآثام، لدرجة أنهم باتوا يركزون في إنتاجهم لأعمال عربية على تصوير شرب الخمر على كونه أمرٌ طبيعي بديهي يشبه شرب الماء أو أي عصير آخر، وهو أمرٌ مقصود ومبني على تخطيط متقن، إنها حربٌ فكرية تُشنُ رويداً رويداً كما ينبثق السم في الدم ثم ينتشر فيقتل صاحبه ويُرديه صريعاً.
حربٌ يُرادُ بها تأسيس أجيال تتبع أفكاراً شيطانية وتلوّث المبدأ الإنساني والفطرة السليمة، يقدّمون أعمالاً تستهوي كافة الأعمار، لكي يضمنون مسرى سمومهم في أكبر عدد ممكن من العقول، والويل كل الويل لمن يُقدّم لهم عقلاً منحه إياه الله ليبصر من خلاله نور الحق، الويل لمن يرى الباطل فلا يُحيد عنه، ويرى أيادٍ مُدنسة تُطال فكره وفطرته فيصمت مقدماً لهم إياها على طبقٍ من ذهب.
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا( الإسراء/ 70)
اضافةتعليق
التعليقات