التغيّر، ذلك الهاجس المرعب الذي نخشاه على أنفسنا والآخرين، ونشعرُ بالعار من الاعتراف به كأنه ذنبٌ اقترفناه. أتذكر موقفاً في فترة سابقة من حياتي، بعد أن عرف الكثيرين عني حبي للشاي وكرهي للقهوة ورائحتها! بعد مدة من الزمن أحببت القهوة، بل وأصبحت أبتكر طرق خاصة لإعدادها كما أرغب، قهوة مع مبيّض وحليب، نسبة الحليب مرة أكثر ومرة أقل، سكر إضافي أو من دون سكر، ملعقة من مسحوق الكاكاو غير المُحلّى، أو قطعة شوكولا تذوب في السائل الغنيّ فتكثّف قوامه، إضافةً لمتعة تكوين الرغوة المترفة على سطح الفنجان.
في عدّة مواقف كان الأصدقاء يُظهرون علامات التعجّب! أحقاً؟ كيف؟ لم تكوني تحبيها! كذلك كنتُ اعتدت القول إنني لا أحب الألوان الزاهية وبعد مدة من الزمن أجدني اقتنيها وأرتديها. العبرة في هذه الأمثلة هو إننا في كثير من الأحيان نخشى الخطوات التي تسلخُ عنا عاداتنا القديمة أو حريٌ بي القول "نحنُ القديمين"، يُصيبنا خوف التطوّر، خشية أن تهتز صورتنا المؤطرة والمثبتة بعناية على جدرانهم، أو أن تفسُد قوالبنا التي يضعونا فيها. أو ربما خشية أن نؤول إلى ما لا طاقة لنا به، خشية الولوج في متاهات نعجز عن الخروج منها مرة ثانية، خشية الخدوش التي قد تصيب سطحنا الظاهري ويمتد ألمه إلى الداخل، فتظهر بواطننا للملأ دون غشاوة أو ستر! ونحن الذين أٌتخمنا بالتخفيّ والاختباء كيلا يُشارُ إلينا ببنان خيانة الذات والتلوّن.
الركود يُرادف الموت، المياه الساكنة لا حياة فيها، القلب الخالي من المحبة لا نبض له، وجذع الشجرة الميتة لا ماء يسري في عروقه. نحنُ مجبولين على التغيّر والنمو، لا شيء يبقى على حالٍ واحدة مهما بُذل جهداً في ابقائه ومهما جاهد صاحبه في احاطته ببناءٍ صلد.
كلُ شيء يُمكن أن يتحوّل إلى شيء غير مرغوب فيه بين ليلة وضحاها، حتى أحبُ الأشياء إليك في اللحظة الراهنة قد تتحول إلى أمر روتيني ممل لا تجد لذة في فعله فيما بعد، وحينذاك ستواجه ملامة التغيّر، وقد تُتهم بأنك متقلب وهلاميّ، بل ومتناقض لا ترسو على بر ولا تتمتع بشخصية ثابتة.
حينذاك يبدأ صراعٌ شديد الوطأة، بين محاولة اثبات الذات والتصالح معها أو إعادة قولبتها لتلائم المجتمع الذي يُحيط بها والدخول في منطقة الراحة والتراخي وترك الأمور تجري كما ينبغي لها، بهدوء وسلاسة دون أن يُعكّر صفو أيامنا شيء ودون عواصف تثير غضب بحارنا الهادرة! الأمر موكولٌ إليك، أن تهذّب نفسك وتعلم أن من علامات نجاح هذا التهذيب هو التغير والتطور في الأنظمة الذاتية، شاعرك المفضل وأكلتك التي لطالما فضّلتها ومعتقدك الذي رسخه فيك أبواك لا يمثلانك، فأنت كائنٌ مميز من الله بعقلٍ لا يُقدر بأثمان الدنيا، عقلٌ لا تنفك الدراسات والعلماء يحتارون في خبايا تكوينه ويزدادون بذلك حيرة وانبهاراً، أنت صنيعةُ نفسك لا المجتمع ولا الناس، وإن شئت أبقيت على نفسك كما أنت، لكن هل ستُحب منظر الصخرة التي في رأسك بعد مرور الزمن!.
اضافةتعليق
التعليقات