يمتد هذا البعد على متصل يبدأ بقطب الذاتية، ونعني به التركيز حول الذات في الأحكام وفي وجهة النظر والاهتمام بالمصلحة الشخصية، بصرف النظر عن مصلحة الآخرين.. وينتهي هذا المتصل على الجانب الآخر بقطب الغيرية الذي يظهر من خلال المنح والعطاء حتى إذا تعارض ذلك مع المصلحة الذاتية.. فتركيز الشخص لا يكون حول الذات بقدر ما يكون حول الآخرين.
1- قطب الذاتية
جاءت المواقف السلوكية التي اندرجت تحت قطب الذاتية أقل وروداً من المواقف السلوكية المندرجة تحت قطب الغيرية، ويبدو أن طبيعة المرأة في أذهان كتاب القصص لا تتلاءم والسلوك الذاتي، فقد وردت المواقف السلوكية الذاتية في قصصنا المحللة عشرين مرة، في حين وردت المواقف السلوكية الغيرية أربعة وأربعين مرة على مستويات التحليل الثلاثة بالنسبة للقطبين.
وفيما يتعلق بقطب الذاتية، فتشير مادتنا المحللة إلى وجود أكثر من مجال للسلوك الذاتي للمرأة، فهناك السلوك الذاتي في العلاقة بالأبناء، ثم السلوك الذاتي في العلاقة بالزوج، وفي مجال الحياة العاطفية.
إلا أن السلوك الذاتي في العلاقة بالأبناء جاء أضعف الجوانب المعروضة وأقلها وزناً استناداً إلى عدد القصص القليل الذي تضمنه هذا العنوان الفرعي، ويبدو أنه من الأمور غير الطبيعية أن تكون الأم ذاتية في علاقتها بأبنائها، فقد أسفر فحصنا لهذا الجانب بالذات أنه لم يرد في قصصنا المحللة إلا ثلاث مرات على مستوى التحليل ككل.
2- قطب الغيرية
قد ظهر هذا القطب بتكثيف يزيد عن ضعف قطب الذاتية الذي يمثل بداية المتصل، حيث ظهر على مستويات التحليل الثلاثة، فتناولته عشر موضوعات رئيسة وعشرون محوراً أساسياً وأربعة وعشرون عنصراً تفصيلياً، ولم يقتصر قراء هذا القطب على تكرار وروده فقط، بل إنه أضاف أيضاً إلى المواقف السلوكية الثلاث السابقة (العلاقة بالأبناء، العلاقة بالزوج، مجال الحياة العاطفية) مجالاً آخر هو السلوك الغيري في العلاقة بالوالدين.
وعلى العكس مما توصلنا إليه في قطب الذاتية من ضآلة عدد القصص التي تعرضت لذاتية المرأة في علاقتها بالأبناء، نجد أن هذا الاتجاه قد ظهر واضحاً في قطب الغيرية، وقد أسفر فحصنا للموضوعات الرئيسة في هذا الجانب عن وجود ستة موضوعات تناولت السلوك الغيري للأم من بين عشر موضوعات رئيسة تناولها هذا القطب، أي بنسبة 60 %.
وفي هذا الإطار نجد الأم وكأنها تعيش من خلال أبنائها، فهي تتلهف عليهم إذا مرضوا أو غابوا، بل إنها تتعاطف مع أي صغير ترى فيه أبناءها.. كذلك إذا توفى عنها زوجها أو تركها فهي تضحي بحياتها من أجل تربيتهم وإسعادهم. ثم تذهب بعض القصص إلى أبعد من ذلك، فتقدم صورة للمرأة التي تضحي بحياتها الزوجية إذا تعارضت تلك الحياة مع سعادة أو مستقبل الأبناء، ومن جهة أخرى فقد تتحمل حياة شاقة وتعيش مع زوج لا يقدر المسؤولية أو أعباء الحياة الزوجية إذا كان ذلك من مصلحة الأبناء، أو إذا كان انفصالها عنه يضر بمصلحتهم. هذا.. وتمتلئ المواقف السلوكية المتعلقة بغيرية الأم في علاقتها بأبنائها بالمواقف الإنسانية الثرية التي تحفل بها جداول الدراسة الأساسية.
وفي إطار العلاقة بالزوج؛ يظهر أيضاً السلوك الغيري للمرأة، ولكنه يظهر أقل وضوحاً وتواتراً مما ظهر به من خلال السلوك الغيري للمرأة في علاقتها بالأبناء، إلا أنه يقدم لنا منظوراً جديداً للسلوك الغيري يتلاءم وعلاقتها بالزوج، فهي من ناحية تتوحد معه في كيان واحد، فنجاحه يسعدها ويعد مصدر فخر لها، وتزهو به إذا حقق من النجاح ما لم يستطع أن يحققه غيره.. ومن ناحية أخرى تتعاطف معه في مشكلاته فتمد له يد العون والمشاركة إذا اقتضى الأمر ذلك.
كما أننا نجدها – حتى في محاولتها الانفصال عنه والارتباط بشخص جديد لأنها لا تتجاوب معه – نجدها تضع مشاعره ومصالحه نصب عينيها لكي لا تسبب له ألماً. كما نجدها مخلصة لذكراه إذا توفى، أو إذا اقتضته الظروف الانفصال عنها.
وفي إطار السلوك الغيري في العلاقة بالوالدين؛ تقدم لنا قصصنا المحللة صورة للفتاة المكافحة المضحية التي تهب نفسها ومالها لمساعدة أسرتها، كما أنها تقف إلى جوار الأم إذا اكتشفت خيانة الأب لها، كما تقف إلى جوار الأب إذا تعرضت حياته أو كيانه للخطر.. وهي في ذلك كله تقف موقف المضحي بذاته وبمصالحه الشخصية من أجل الآخرين.
ولا يتوقف سلوك المرأة الغيري عند المجالات المذكورة، بل نجد مجالات أخرى للسلوك الغيري، إلا أنها ظهرت بنسب ضئيلة.. فقد بدت غيرية مهتمة بمشكلات صديقاتها، كما يبدو سلوكها الغيري في تعاطفها مع مشكلات وطنها، فتكرس جهودها ومالها لتحرير وطنها، كما تتراجع عن أسلوب حياتها الخاطئ لتستعد لخدمة وطنها أثناء العدوان عليه.
كما صوّرت بعض القصص أيضاً المرأة على أنها تتميز بالسلوك الغيري بوجه عام، ولكن ذلك لم يظهر إلا على مستوى العناصر فقط، فنجد أن الفتاة تعطي من نفسها وجهدها لكل من يقصدها.
اضافةتعليق
التعليقات