الشَّباب أصحاب طاقات هائلة وفيَّاضة، ويجب تصريفها فيما يفيد، وبالامكان تحقيق ذلك إذا قمنا بنشر ثقافة الوعي بأهميَّة استثمار العُطلة الصيفية قبل بدئها فيما بينهم، والمجتمع بأسرِه مسؤول عن التوعية هنا، بدءاً من الأُسرة، فالصحبة الصالحة، مروراً بالمعلمين وأساتذة الجامعة، وخطباء المساجد، وانتهاء بوسائل الاعلام بمختلف أشكالها، المقروءة والمرئية والمسموعة.
سيحتاج الشباب في العصر الرقمي إلى مهارات فريدة لا تقتصر فوائدها على تمكينهم من التعامل مع التقنيات الذكية، بل إنها ستزودهم بالقدرة على مواكبة ما ستشهده بيئات عمل المستقبل من تغيرات دائمة.
ونقف اليوم على أعتاب ثورة رقمية، سنمتلك عند تجاوزها مستويات غير مسبوقة من القدرة على التحكم في التقنيات، وتشير التوجهات إلى ارتفاع حتمي في معدلات انتشار هذه التقنيات على مدار الأعوام المقبلة.
ومن المتوقع أن ترتفع معدلات الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي إلى 7.3 مليارات دولار في عام 2022، مقارنة مع ملياري دولار عام 2018.
وبالنظر إلى الجهود العالمية المبذولة، استعداداً لمستقبل تهيمن عليه التقنيات المتطورة، تلوح في الأفق فرصة ثمينة لابد لنا من اغتنامها.
تعتبر العطلة الصيفية من المحطات الضرورية التي ينبغي أن يقف عندها الانسان، لكي يراجع مسيرته، ويقوّم تجربته. لهذا من المهم دعوة الشباب الى الاستفادة من هذه العطلة الصيفية في تقويم مسيرتهم التعليمية والاجتماعية والسلوكية، لكي يتقدم الشاب في حياته، ويستفيد من أخطائه وعثراته، ويستوعب العبر والدروس من تجارب ماضيه.
من المهم بالنسبة للشباب، استغلال العطلة بشكل مثمر ومجدٍ، وذلك من خلال التوجه نحو سوق العمل رغم أنّ هناك من يفضل قضاء عطلة الصيف بين الاسترخاء والاستجمام وارتياد الأماكن الترفيهية وغيرها. ويجد مثل هؤلاء الشباب في العمل فرصة لتنمية مهاراتهم وصقل امكانياتهم واضافة مزيد من الخبرات وتعويدهم على الاتكال على النفس وجني المال لتحقيق ما يتمنون الحصول عليه ومساعدة ذويهم من جانب آخر.
إنّ بعض الطلاب يجدون صعوبة في تقبل فكرة العمل لأنهم اعتادوا الاتكال التام على ذويهم واعتادوا الاسترخاء صيفاً وارتياد المجمعات من دون غاية تذكر، إنّ العمل يضيف إلى الشاب خبرات حياتية ومهارات يحتاجها المرء مستقبلاً. إنّ متعة العمل صيفاً هي فرصة لا تعوض، على الآباء تعويد أبنائهم على تقبل فكرة العمل والتأقلم مع أي عمل في المستقبل مهما كانت طبيعته، ومعرفة أنّ العمل سمة مكملة لشخصية الشاب ويضفي نوعاً من المرح والنضج المطلوب، واكتساب خبرة مهنية تضيف إلى الشخصية أكثر مما تضيف إلى المورد المالي.
فالصيف.. لم يعد فقط مجرد فصل الترفيه والعطلة وإنّما بات للعديد من الشباب الفرصة لتأمين عمل يضمن لهم ملئ الفراغ مع تأمين مردود مالي خاص من جهة والخبرة مع التطوّر الذاتي من جهة أخرى. يُدرك الشباب أهمية هذه الفرصة التي تُفتح أمامهم والتي من شأنها أن تترك آثاراً ايجابية من الناحية الذاتية والعلمية على حدّ سواء، فإنّ العمل الصيفي يساهم في تنمية الشخصية في سنّ مبكّر وفي اختبار الحياة بكلّ ما للكلمة من معنى وليس مجرّد شعار نسمعه ونردّده وذلك نتيجة النزول إلى سوق العمل والاختلاط بالناس على اختلاف دينهم وبيئتهم وتربيتهم.
وهو من الناحية العلمية خطوة داعمة لصقل المهارات المكتسبة سواء من قبل الأهل أو المدرسة وحتى الجامعة، وقد يكون العمل الميداني أوّل خطوة، لمن هم في المرحلة الثانوية، من أجل تكوين فكرة عن التخصّص الذي يرغب الشخص أن يخوضه في حال كان الاختيار موجوداً أو أنّه يساهم في مساعدته في تثبيت خياره في حال التردّد، والعمل الصيفي للشباب في المرحلة الجامعية من شأنه تقريب العمل النظري من التطبيقي في حال ممارسة العمل في التخصص ذاته وفتح آفاق جديدة ميدانية أمامهم كما أمام الشباب الذين يعملون في مجال مختلف.
ناهيكم عن كلّ ذلك، هناك أيضاً العمل التطوّعي الذي لا يقلّ أهمية عن العمل المرتبط بتخصّص معيّن. إن معالجتنا لمشكلة الفراغ في الصيف ينبغي أن تنطلق من مسلمتين أساسيتين أن هذا الوقت هام بالنسبة للشباب، وأنّ الشباب في حاجة إلى اكتساب مهارات أساسية في هذا الوقت بالذات لأن الأوقات الأخرى مليئة بمسؤوليات أخرى.
إنّ الانطلاق من هذه المسلمتين سيلزمنا بتغيير تصوراتنا وتصورات شبابنا حول الصيف والفراغ وصقل وتنمية المهارات في عمل نافع ومفيد.
وتمثل التقنيات المتطورة أبرز محركات المستقبل، لاسيما في مرحلة يقع العالم تحت وطأة ضغوط وتحديات جمّة، فالتقنيات تمثل الطريق نحو الاستدامة نظراً إلى ما تنطوي عليه من مستويات كفاءة عالية، وما تقدمه من آثار إيجابية عند تطبيقها. لكن هذه التقنيات في المقابل، وكحال أي شيء آخر، قد تنطوي على جوانب سلبية، فالمخاوف المحيطة بتوظيف عمليات الأتمتة في العديد من المجالات، وما قد ينجم عنها من فقدان للوظائف، لم تعد خفية على أحد، ناهيك عن تداعيات منافسة التكنولوجيا لوظائف البشر.
ومن هنا يبرز تساؤل في غاية الأهمية، كيف لنا أن نجد حلولاً لهذا التحدي؟ فعلى الرغم من حاجتنا الماسة إلى ترسيخ دور التقنيات الحديثة في عالم سريع التطور والتغير، لابد لنا من تقديم ضمانات تكفل توفير فرص عمل لشبابنا في المستقبل.
وللخروج من هذا المأزق الناجم عن هيمنة التكنولوجيا، لا مفر من الاستعداد للتعامل معها. لذلك أنصح بتبني التكنولوجيا في حياتنا واستخدامها لمصلحتنا، كما أن تعلم المهارات الصحيحة هو الطريق الأمثل للتأقلم مع وجودها.
وفي حين أنها قد تلغي بعض الوظائف، إلا أنها ستقدم فرص عمل جديدة، وستتيح العديد من الفرص النوعية للراغبين في اغتنامها. وما يتوجب علينا فهمه هو أن وظائف المستقبل ستكون مختلفة عن الوظائف التقليدية التي نعرفها اليوم.
ويحتاج شبابنا إلى تعلم مهارات تساعدهم على التكيف من الاحتياجات المتغيرة لبيئة العمل، خلال العقد المقبل، ولهذا يتعين عليهم صقل مهاراتهم والمواظبة على اكتساب المهارات الجديدة والاستعداد للتعلم أثناء عملهم. ورغم أن الأساس التعليمي سيحافظ على أهميته، إلا أن القدرة على تطوير مهارات ناعمة، والاستمرار في التكيف والتعلم، ركنان رئيسان للنمو والازدهار في بيئات عمل المستقبل.
ولاشك أن الحاجة إلى الإبداع والابتكار ومهارات حل المشكلات المعقدة، ستكون على أشدها، وكذلك الأخلاقيات البيئية والذكاء العاطفي. ونحن اليوم على مشارف عصر الابتكار وريادة الأعمال، لتحقيق أقصى استفادة من الفرصة المتاحة لهم.
فعندما نفكر في المستقبل، تسيطر على أذهاننا تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات وتحليل البيانات الضخمة، باعتبارها اتجاهات سائدة، لذلك فإن امتلاك الخبرة في هذه المجالات أمر حتمي لا مفر منه لشغل وظائف المستقبل.
ومن المتوقع لتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز أن تنتشر بكثرة في بيئات العمل، وبالتالي خلق مزيد من فرص العمل في مختلف القطاعات، لاسيما في مجالات الألعاب ووسائل الإعلام والترفيه. وسيكون الطلب مرتفعاً على المهنيين في مجالي الواقع الافتراضي والواقع المعزز، خلال السنوات المقبلة. وسيدفع التعلم الآلي وإنترنت الأشياء عجلة التغيير، في ظل قدرة أكبر على التفاعل بين البشر والآلة.
وبينما يسعى العالم إلى توحيد جهوده للحد من تداعيات التغير المناخي، نشهد أيضاً توجهاً أكبر نحو الاقتصادات منخفضة الكربون، التي تكثر فيها مصادر الطاقة المتجددة وينخفض فيها استخدام الفحم. ويبدو أن الاستدامة تمثل اتجاهاً آخر سينال حصته من الحوار على نطاق أوسع في الأيام المقبلة.
ومع تطور قطاع الطاقة، وتوقعات دخوله مرحلة جديدة من التغييرات على مدار العقود الثلاثة المقبلة، تماشياً مع استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، يحتاج شبابنا إلى التدريب ليتمكنوا من شغل الوظائف في قطاع الطاقة البديلة، مع أخذ أهداف الطاقة المستدامة بعين الاعتبار.
وعندما تصبح الموارد شحيحة، ونزيد من اعتمادنا على مصادر الطاقة المتجددة، ستنشأ أيضاً مصادر دخل وفرص عمل جديدة. فعلى مستوى العالم، يتوقع لقطاع الطاقة أن يوفر 24 مليون وظيفة في الاقتصاد النظيف، بحلول عام 2030. كما أن المساعي العالمية الجديدة للحد من الانبعاثات ستعود بتأثير جذري على العديد من القطاعات وطريقة عملها.
فإذا كانت معدلات الوظائف تتجه نحو الانخفاض، والموارد في طريقها إلى الندرة، فإن هذا سيقابله ظهور فرص عمل جديدة وموارد طاقة أخرى، ولهذا تقع على عاتق الشباب مسؤولية ضمان استمرارهم المهني وتأمين جودة أفضل لحياتهم في المستقبل.
اضافةتعليق
التعليقات