هل تساءلنا يومًا ما مدى تأثير مشاهدتنا المستمرة لكل ما يُنشر في العالم الرقمي من صور وفيديوهات؟ لحظة تُسعدنا وأخرى تُبكينا، نتأثر بتلك، ونترك تعليقًا هنا، ونشارك منشورًا هناك. إنها إيحاءات ورسائل تدخل إلى عقلنا الباطن دون أن نُراعي تأثيرها على صحتنا وسلوكياتنا، متناسين أن كل ما نشاهده يلتقطه عقلنا الباطن ويؤرشفه، وقد يُترجَم في لحظةٍ ما.
وقد نتفاجأ أحيانًا من ردّة فعلنا المبالغ فيها في موقفٍ معين، فنجد أن الأمر لم يتطلب كل ذلك. لكن ربما يعود السبب إلى موقفٍ أو لحظة حزن تأثرنا بها أثناء مشاهدتنا لمحتوى سابق، آن أوانها كي تُترجم إلى سلوكيات، لأن هناك شيئًا محسوسًا يُدعى العقل الباطن، يتم فيه تخزين التجارب والمشاعر والأفكار والإحساسات، فهو مخزن للمشاهدات والتجارب المُترسبة.
فكم أصبح من الضروري ضبط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة صحيحة ومُقنَّنة، وبمشاهداتٍ محددة، تحظر المحتويات التي لا تنسجم مع الذوق العام. إذ ينبغي على المتصفح أن يُحسن إدخال البيانات واستنطاق تلك البرامج الإلكترونية، ويقوم بإدخال بيانات دقيقة وصحيحة. فالمشاهدات غير المُقننة لها أثر سلبي على علاقاتنا بالآخرين، وعلى إدارة أموالنا، ورفاهيتنا، ونمط حياتنا، وطاقتنا الجسدية.
لكن البعض لا يضع ضوابط لاستخدام الإنترنت، معتقدًا أن تلك المشاهدات لا تُسبب أذى، وأنها مجرد لقطات عابرة، بينما في الحقيقة يُؤثر الاستخدام المُفرط للإنترنت فعليًا في وظائف الدماغ، فيما يُعرف اليوم بـ "عفن الدماغ"، وهي الحالة الضبابية والخمول الذهني الذي يصيب الإنسان نتيجة الإفراط في النظر إلى الشاشة أو استهلاك المحتوى القصير والسريع على منصات التواصل الاجتماعي.
ولا يقتصر خطر ذلك على البالغين فقط، بل يشمل الأطفال أيضًا، حيث تؤثر تلك المشاهدات السلبية في نومهم، وعلاقاتهم الاجتماعية، وحركتهم، ونشاطهم البدني بسبب انشغالهم المستمر بالأجهزة اللوحية.
ويكمن العلاج لهذه المشكلة في تطبيقاتٍ عديدة وبرامج متاحة يمكن للآباء استخدامها، حيث تساعدهم في التحكم بالوقت الذي يقضيه أطفالهم على الإنترنت، كما تقوم تلك البرامج بحظر المواقع التي تُسبب لهم مشاهدات تُؤثر سلبًا في عقلهم الباطن.
إذ خلصت دراسة حديثة إلى أن الاستخدام المُفرط للإنترنت يُغيّر من طريقة عمل دماغنا، بحيث تُصبح الذاكرة ضعيفة ويقلّ التركيز.
وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة، التي أُجريت بالشراكة بين جامعة ويسترن في سيدني، وجامعة هارفارد، والكلية الملكية في لندن، وجامعة أوكسفورد، وجامعة مانشستر، في مجلة "الطب النفسي العالمي".
ولإجراء هذه الدراسة، طُلب من مئات المشاركين القيام باختبارات مختلفة للذاكرة، بالإضافة إلى تمارين إدراكية، كما أُجريت أيضًا فحوصات على أدمغة المشاركين.
وخلص الباحثون إلى أن الإنترنت يُغيّر من بنية وقدرات العقل البشري، إذ يمكن أن يُسبب تغيّرات مزمنة وحادة في مجالات معينة من الإدراك، مما ينعكس على تركيزنا، وذاكرتنا، وتفاعلنا الاجتماعي.
اضافةتعليق
التعليقات