في ظل العصر الإلكتروني، الذي تم فيه غزو أطفالنا من حيث نشعر أو لا نشعر، هناك فعاليات تمد أطفالنا بالحياة من جديد، وتغرس في نفوسهم معاني خضراء تنمو مع نمو سنوات طفولتهم البريئة.
فحينما تُمارَس أعمال البستنة، ويُشرك طفلك من سنّ أربع سنوات في الاهتمام بالتربة وزراعة البذور وسقيها، ومتابعة نموها إلى أن يتبرعم النبات وتتفتح الأزهار، ثم قطف الثمار وغيرها؛ تتقوّى بذلك أواصر الارتباط بالطبيعة لديهم، ويشعرون بالانتماء للتربة التي قال الله تعالى عنها:
"مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ" (1).
وقد أثبتت الدراسات أن من يمارسون هذا النشاط لنصف ساعة على الأقل في الأسبوع، لا يتعرضون لنوبات الغضب، وتزيد لديهم الثقة بالنفس، بالإضافة إلى تمتعهم بصحة جيدة مقارنةً بنظرائهم الذين لم يعملوا في الفلاحة.
وكتاب الله الكريم يؤكد منذ بدء الخليقة على اقتران النبات والأرض بذكر الإنسان، لوحدة الأصل والتشابه الكبير بينهم. قال تعالى:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ" (2).
فالزراعة تعزز جوانب عدة في أطفالنا، من حيث:
الجانب النفسي:
تساعد الزراعة على زيادة ثقتهم بأنفسهم من خلال تحقيق هدفهم المنشود، وهو تفتح الزهور أو ظهور الفاكهة أو الخضار.
تنمية المهارات:
زراعة الشتلات والنباتات تجعل الطفل أكثر مهارة في التخطيط والتنظيم، وتُحفّزه على الإبداع وتُنمّي قوته الإدراكية.
تحمّل المسؤولية:
يشعر الطفل بأن له دورًا كبيرًا في البيئة والمجتمع، ويتعلم أن ما يزرعه سيكون ناتجًا عن صبره واعتنائه بالنبات، من حيث الاهتمام بالتربة وزراعة البذور والسقي، وغيرها.
تعليم الصبر:
الاهتمام بالنباتات يعلّم الطفل الصبر، لأن الصغار عادةً يستعجلون، ويحبون تلبية طلباتهم وحاجاتهم بسرعة. ولا سيما في عالم السرعة الذي تكثر فيه حالات القلق والاكتئاب.
النشاط البدني:
الزراعة نشاط بدني يستخدم فيه الطفل كل حواسه، وبالتالي يكتسب صحة بدنية جيدة.
وهذا لا ينطبق على أطفالنا شخصيًا فقط، بل تتسع أمواج فوائد الزراعة لتشمل الجوانب الاقتصادية والبيئية والصحية؛
فمثلاً، كثرة العواصف الترابية تدل على ضعف الحزام الأخضر، الذي يربط جزيئات التربة وينقّي الجو من الأتربة التي تؤذي الجهاز التنفسي للإنسان، ولا سيما مرضى الربو.
وقد أظهر استبيان أُجري في أربع مستشفيات في منطقة خليج سان فرانسيسكو، أن حوالي 79% من المرضى شعروا بأنهم أكثر استرخاءً وهدوءًا، و19% شعروا بالإيجابية، و25% شعروا بالانتعاش بعد قضائهم لبعض الوقت في الحدائق العامة.
ومن هذا المقال، الذي أعتبره شخصيًا رسالةً للأهالي الأعزاء ولمؤسساتنا الصحية، أدعو إلى الاهتمام بالحدائق العامة، لتعزيز الصحة النفسية والبدنية للإنسان.
اضافةتعليق
التعليقات