يعبر الأفراد عن آرائهم في المسائل محل الخلاف، ففي المجتمعات الراكدة نسبياً، يكون عدد المسائل محل الخلاف قليلاً في أي وقت، أما في غيرها فإن مجال الخلاف يتسع. ويتضمن التغير في أي جانب من جوانب الثقافة عملية الرأي في الجامعات، ومن ثم فأنَّ كل تغير في الثقافة هو تسجيل لتغير في الرأي، وقد يكون أي شيء محل خلاف، فقد ثبت أن كل شيء تقريباً كان في وقت من الأوقات محل خلاف، ففي المجتمعات البسيطة حين كان الجمود سائداً كان كل تجديد يلقى مقاومة شديدة.
والواقع أن الآراء تنمو أو تتأثر أو تتغير بسرعة بالنسبة للموضوعات التي لا يكون لدى الفرد عنها آراء مسبقة أو مشاعر ثابتة. كذلك تتغير الآراء بالنسبة للمسائل العارضة بسرعة أكبر منها بالنسبة للمسائل الحاسمة، وقد كان ذلك واضحاً ومنطقياً من عهد بعيد، ففي مصطلحات علوم الاجتماع الحديثة أن "محتوى الاتصال يكون أقوى فاعلية في التأثير في الرأي العام بالنسبة للمسائل الجديدة أو التي لم تستقر بعد، أي تلك التي لا ترتبط ارتباطاً خاصاً بمجموعات المشاعر الموجودة.
ويمكن تكوين أحكام عامة عديدة عن الرأي من خلال دراسة كتابات أفلاطون، وحتى آخر ما كتب في العلوم السياسية، ونذكر فيما يلي بعض الأمثلة:
في رأي أفلاطون، أن التغيرات في الرأي تفرض بالقوة تحت تأثير شديد الألم أو الحزن، "فالمفتونون هم الذين يغيرون آراءهم تحت تأثير السرور أو تحت تأثير خوف صارم".
ويقول "كولي" "إن الجماعة تغير آراءها بنفس الطريقة التي يغير بها الفرد رأيه تقريباً، فالفرد يجب أن يولي وقته والتفاته للمسألة وأن ينقب في وعيه عن الآراء والعوطف الثابتة، ويدمجها معاً في كل واحد، قبل أن يعرف فكرته الحقيقية عن المسألة..
وبالنسبة للأمة، يجب أن يحدث الشيء نفسه، وإنما على نطاق أكبر".
ويستخلص "أ. هـ. باكيت" من التغير المفاجىء في الرأي في الجماهير الكبيرة المبادىء التالية:
أولاً: إن رأي الجماعة الذي لا يقوم على أساس من الفهم الدقيق للنقاط محل البحث، ولا يدعمه ارتباطات قوية بحكم مسبق ثابت، هو رأي سهل التفكك.
ثانياً: إن الكثير من تعبيرات الرأي ليست إلا تمسكاً فارغاً بالشكليات، وقد يبدو أن التغيرات في الرأي قد تحدث عرضاً، لكن الواقع هو أن المشاعر المساندة للرأي تجتاز مراحل تغير قبل ذلك بوقت طويل.
ثالثاً: قد يتغير رأي الجماعة بسرعة بسبب عدم حكمة وسوء تصرف أولئك الذين يحاولون توجيه الرأي، فالقادة قد يغالون في ثقة الشعب فيهم ومساندتهم لهم، ومن ثم يحاولون المغالاة في إحداث التغييرات.
رابعاً: هناك رغبة عامة عند أعضاء الجمهور الكبير في الاستجابة إيجابياً "التصويت بـ (نعم) "على المقترحات، على حين أنهم يظلون محتفظين بشكوكهم، ومن ثم قد تغير الغالبية رأيها بسرعة كبيرة، وقد تأكد ذلك تجريبياً.
خامساً: إن الجمهور، كقاعدة عامة، يعترض على مواقف لا على مبادىء، ومن ثم قد تحدث تغيرات فجائية في الرأي إذا تعدل الموقف.
سادساً: إن دخول قوة شخصية جديدة تمثل بوضوح مسألة من المسائل، قد يحدث تغيراً مفاجئاً في الرأي، أما الحقائق والأسباب والبراهين فقلما كان لها سيطرة ثابتة على عقول معظم الناس.
ومن هنا كثرت الآراء التي تشكك في الرأي العام من حيث هو.
وهنا نضيف تعريفات أخرى لها طابع التشكيك في وجود الرأي العام. ومنها على سبيل المثال:
1- الرأي العام الموحد للجماعة أمر لا يمكن تصوره حتى في أوقات كفاح الشعوب من أجل مصيرها. ذلك أن الشجاعة في إبداء الرأي تختلف من فرد إلى فرد. والعقول التي يصدر عنها الرأي تختلف من حيث القوة والضعف. والأهداف التي سعى إليها الجماعة تختلف من حزب إلى حزب.
2- ومن هذه التعريفات: الرأي في ذاته هو محاولة لتحقيق أمر ما بوسائل ناقصة – أو بعبارة أخرى – بطرق ليست مستكملة. ومعنى ذلك أن صاحب الرأي لا يتأكد لديه رأيه إلا بموافقة الآخرين عليه. ولذلك نرى في نفس صاحب الرأي شيئاً من القلق والتناقض؛ فهو يخشى دائماً أن يكون مناظره في الرأي صاحب الحق.
3- ومن هذه التعريفات كذلك: الرأي العام لا وجود له في الحقيقة – فإنه مما لا شك فيه دائماً أن هناك رأياً ظاهراً بين آراء الجميع – أو رأياً غالباً على ما حوله من آراء الجميع. ومعنى ذلك بطريقة أخرى أنه ليس هناك ما يسمى بالرأي العام. بل هناك رأي في الجماعة، وبين العبارتين فرق لا سبيل إلى إنكاره.
4- ومن هذه التعريفات أخيراً: أن الرأي العام ليس رأي الشعب بأكمله. بل يصح أن يكون رأي طبقة لها الأغلبية أو السلطة على طبقات الشعب الأخرى. والأرجح أن يكون رأي الطبقة المتسلطة في الأمة هو الرأي الغالب أو الرأي الذي له السيادة والنفوذ والتفوق على آراء الطبقات الأخرى.
اضافةتعليق
التعليقات