مؤخراً، تمكَّن القلق المستمر حول انتشار جائحة كورونا في العالم، وما قد تحدثه من أضرار في المستقبل القريب، من عدم القدرة على السيطرة على المجتمعات والأفراد؛ فقد انشغلت عقولنا وأسماعنا به، إلّا أنّ انشغالنا بأمر الفايروس، قد طغى على تفكيرنا حتى استطاع غزو عقولنا قبل أجسادنا لدرجةٍ غير منطقية، حتى أنّ مهمة الأغلبية أصبحت تقتصر على مجرد البقاء في منازلهم.
ولهذا وجدت من واجبي لفت انتباهك- أيها القارئ- نحوَ موضوعٍ بالغ الأهمية لطالما استحوذ عليّ وشغل تفكيري، حتى صار في مقدمة أولوياتي وأهدافي، وما أطمح بتقديمه والمساهمة به للارتقاء بالأمم والمجتمعات ونهضتها، فمحور موضوعنا: (الشباب وطاقاتهم) (فالشباب هم الركيزة الأهم التي يقوم عليها المجتمع)، فهذه الطاقات تمثل جيلاً واسع المعرفة، مليئاً بالتجدد، توّاقاً للإنجاز، يرتقب فرصته حتى يظهر للعالم ما يملك من إبداعٍ وقدرات.
إنّ مرحلةَ الشباب لمرحلةٌ جوهريةٌ في حياة الإنسان، ابتداءً بإدراك ماهيّة النفس وبناء الشخصية، مروراً بتحديد الهوية الفكرية والعقائدية والمهنية والاجتماعية، انتهاءً ببلوغ الأشُدّ وسنواتٍ عدّةٍ من التقديم والإنجاز والإسهام في إعمار المجتمع والحفاظ على استمراريته.
وبهذا يمثل الشباب العمود الفِقري الذي تستند عليه البشرية في جميع العصور، فهم صلة الوصل بين القديم والحديث، كسباق التتابع يستلم الشباب فيه العصا من الجيل الذي سبقهم ليكملوا المهمة إلى أن يحين وقت تسليمهم العصا لجيل الشباب الذي يأتي بعدهم. بكل تأكيدٍ إني لا أنكر أهمية دور كلٍّ من الأجيال السابقة أو اللاحقة، ولكن الأمر أشبه بما يحدث على مسار السباق؛ حيث إنّ الشباب يمثلون العدّاء الحامل للعصا والذي بالطبع ينصَبّ عليه انتباه الجماهير وتشجيعهم طوال فترة جريه. فكما هو ظاهرٌ فإنّ السابق قد حظي بنصيبه من المساهمة والاهتمام، واللاحق ينتظر دوره.
غالباً ما تكون مرحلة الشباب مصحوبةً بصفات الفتوة والحداثة والنشاط، وهذا فعلاً ما يعطيها الأهمية الكبيرة في نظري، فالتجديد هو ما يبعث في كل شيء الروح من جديد، وهو ما تحتاجه البشرية باستمرارٍ لإحداث ثوراتٍ تغيِّر مجرى سيرها تحقيقاً للتطورِ والتنمية المستدامة.
وأكبر شاهدٍ على ذلك أن أضخم الشركات السائدة حالياً - والتي أحدثت تغييراً جذرياً في حياتنا كغوغل، وآبل، ومايكروسوفت، وأمازون، وفيسبوك، وديزني - أسّسها أناسٌ في ريعان شبابهم، وقد تَكلَّلت بالنجاح وساهمت بجعل حياتنا مختلفةً عمّا مضى بشكلٍ أفضل، مما أهّلنا للتقدم خطوات في طريق التطور.
يوجد اليوم 1.2 مليار شاب بين سني 15 و 24 عاما ويمثلون 16 في المئة من سكان العالم. وتعد مشاركة الشباب النشطة في جهود التنمية المستدامة ضرورة لا بد منها لتحقيق مجتمعات مستدامة وشاملة ومستقرة بحلول عام 2030. ومع أن مشاركة الشباب تلك هي وسيلة لتفادي أسوأ التهديدات والتحديات التي تواجه التنمية المستدامة، بما في ذلك آثار تغير المناخ والبطالة والفقر وغياب المساواة بين الجنسين، والصراعات، والهجرة، فإنهم يواجهون بنسبة تزيد بثلاث مرات عن الأكبر منهم سنا احتمال البطالة والتفاوت في الفرص في سوق العمل.
فضلا عما يواجهونه من معروض وظائف لا ترقى إلى طموحاتهم. كما أنهم يواجهون عملية انتقال صعبة بين مرحلتي الدراسة والدخول في سوق العمل. وتواجه الشابات مشاكل أكثر، حيث المعروض الوظيفي عليهن أقل جودة وإبهارا وغالبا أشغال بدوام جزئي وأجور أقل أو عقود عمل مؤقتة.
ولهذه الأسباب، يعد التعليم والتدريب من المفاتيح الأساسية للنجاح في سوق العمل، ولكن للأسف، أخفقت النظم القائمة في تلبية احتياجات الشباب التعليمية. وتشير الدلائل إلى أن الشباب يفتقرون إلى المهارات الكافية في القراءة والكتابة والرياضيات، وهي المهارات التي تؤهلهم للتنافس في سوق العمل الرسمي. وعيّنت الجمعية العامة، بموجب قرارها 145/69، أن يُحتفل بيوم 15 تموز/يوليه من كل عام بوصفه اليوم العالمي لمهارات الشباب لإذكاء الوعي العام بأهمية الاستثمار في المهارات الإنمائية للشباب.
وتسلط احتفالية الأمم المتحدة بهذه المناسبة التي تنظمها غالبا بعثتي البرتغال وسري لانكا بالتعاون مع يونسكو ومنظمة العمل الدولية ومكتب مبعوث الأمين العام للشباب الضوء على الآلية اللازمة لإعمال مفهوم التعلم مدى الحياة.
إن المهارات اللازمة للشباب تُعتبر حيوية وهامة الآن أكثر من أي وقت مضى. وذلك لأن أعداد الشباب كبيرة ومتزايدة، ولاسيما في المناطق الحضرية بالبلدان ذات الدخل المنخفض ولما كانت الأزمة الاقتصادية ما زالت تمثل ضغوطاً على الميزانيات وترفع معدلات البطالة في جميع أرجاء العالم، فإن الحاجة الملحة للاستثمار في مجال المهارات اللازمة للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، ووضع الخطوات التي ينبغي للحكومات والجهات المانحة للمعونة ومنظمات القطاع الخاص أن تتخذها لمعالجة النقص الحاد في المهارات، ولاسيما في ما يتعلق بالشباب الأشد حرماناً.
كما ان الهدف من التعليم لا يقتصر على ضمان أن يتمكن جميع الأطفال من الالتحاق بالمدارس. بل إن الأمر يتعلق بإعداد الشباب كي يواجهوا الحياة، وذلك من خلال تزويدهم بفرص للعثور على عمل لائق، وكسب رزقهم والمساهمة في جماعاتهم ومجتمعاتهم، فضلاً عن تحقيق إمكانياتهم. وعلى مستوى أوسع نطاقاً، فإن الأمر يتعلق في هذا التقرير بضرورة مساعدة البلدان على تعزيز القوة العاملة التي تحتاج إليها من أجل أن تنمو في إطار الاقتصاد العالمي.
وتقول بولين روز، مديرة التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع، محذّرةً: "إن الإحباط الذي يعاني منه الشباب ستزداد حدته ما لم يتم عمل شيء حياله على وجه السرعة". والذي يهدف لمعنى واحد ألا وهو ضرورة إعطاء الشبابِ الثقة التي يستحقونها، ومعاملتهم كأناسٍ قادرين على الاهتمام بشؤونهم بل وبشؤون المجتمع، فتقييد الشباب بمهامٍ معينةٍ وإرغامهم على البقاء بعيدين عن المسؤولية وإلزامهم بعادات الأجيال السابقة لا يمكن أن يُخرج جيلاً يتصف بالتجديد والإبداع، فما يجب علينا الآن هو تقديم منصةٍ مناسبةٍ يمكن للشباب من خلالها عرض إنجازاتهم وخبراتهم لنقلها للعالم أجمع، لكن وللأسف فإنه لا توجد منصة عربية توحد طاقات الشباب العربي، فترى الكثير من شبابنا يحلمون بالسفر إلى الخارج للدراسة أو العمل؛ لأنهم يجدونها فرصةً أفضل لتحسين حياتهم، وعلى إثرهذا فإننا نخسر الكثير والكثير من الشباب والمواهب والقدرات التي لا غنى لنا عنها.
إن إعطاء الشباب الثقة والدعم هو ما يمكّننا من رؤية نتائج إيجابية وتأثيرٍ أكبر وإبداعٍ يصنعه شبابنا ويدفع بمجتمعاتنا للأمام.
وفي الختام ندعو شبابنا وشباب العالم إلى اغتنام هذه المرحلة من عمرهم، أدعوهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم أولاً، ثم مع من حولهم. أدعوهم أيضاً لأن يجلسوا مع أنفسهم في محاولة التعرف على ما يميزهم فعلاً عن غيرهم، وأن يبدؤوا بتطوير خبراتهم ومهاراتهم وتقديم ما يستطيعون تقديمه لمجتمعاتهم لأنها بحاجة إليهم، وبالأخص في هذه الأوقات، كما أدعو أيضاً المسؤولين عن الشباب إلى الاهتمام بالشباب، والاستماع لآرائهم وأفكارهم، ومحاولة توظيفها بالشكل اللازم.
قد تكون المشاكل والتحدّيات التي تواجه مجتمعاتنا كثيرة والخلاص منها ليس بالسهل، لكن بإمكاننا مع العمل المتواصل والصدق فيه أن نتغلب عليها لننهض بأمتنا وبالعالم بأسره، وكما أن فكرة التغيير والعزم عليه يبدآن من الفرد، فإن إحداث التغيير يحتاج إلى جهود الجموع الغفيرة لجعله حقيقة، ومفتاح هذا التغيير ونجاحُه يتمثل بالشباب؛ الذين يتوجّب عليهم أن لا يَنْسَوْا أن الله قد خلق لكلٍ منا شيئاً مميزاً، فثق بنفسك ولا تدع الأحداث اليومية تؤثر عليك، واختَر أصدقائك بعناية، لأن الأصدقاء مرآة بعضهم، وابتعد عن السلبيين وابحث دائماً عن الإيجابيين. واعلم أن كُلُّ ناجحٍ كان قد سعى بجهدٍ وإصرار حتى وصل إلى ما يريد.
اضافةتعليق
التعليقات