"بعض الناس سيؤذونك، ثم يتصرفون وكأنك أنت من آذيتهم"… جملة قرأتها في فضاء "فيسبوك"، لكنها لم تعد مجرد عبارة تتداول في العالم الافتراضي؛ بل وجدت لنفسها مكانا دائما على أرض الواقع، حتى غدت حقيقة يومية نعيشها أكثر مما نقرؤها.
فحين يتجرد الإنسان من الضمير والمشاعر، يصبح مستعدا لدهس أي شخص في طريقه نحو أهدافه مهما كان الثمن، فعندها يسقط قناع الأمس عن قصد أو دون قصد وتنكشف الوجوه على حقيقتها، تلك التي قد تصدمنا أكثر من الألم ذاته.
إن الحقيقة مؤلمة، وقولها أكثر إيلاما وكثيرون يخشون مواجهتها لأنها ببساطة مرة تفوق في مرارتها طعم العلقم، لكنها رغم كل شيء تبقى الطريق الوحيد نحو الوعي، وهذا ما لخصه الشاعر الفلسطيني الراحل معين بسيسو بقوله: "أنت إن سكت مت، وإن نطقت مت... قلها ومت."
لم تكن هذه العبارة مجرد بيت شعري، بل صرخة في وجه الزيف وشعارا لكل من اختاروا قول الحقيقة، مهما كان الثمن، فكل حقيقة نكتشفها تحمل معها خسارة مؤلمة… خسارة أشخاص، أو أوهام، أو حتى صورة مثالية بنيناها عن أنفسنا أو الآخرين.
إن كشف نوايا الناس وحقائقهم ليس أمرا سهلا، بل يترك في النفس ندوبا يصعب التئامها لنغص بمرارة الوعي الذي جاء متأخرا، وفي لحظة ما، نشعر أن الحقيقة نفسها فقدت طهرها، حين يتم تكرارها ونقلها وتحريفها بين القيل والقال.
وغالبا، من يتأثر أكثر بكشف الحقائق هم من يملكون روح العاطفة، فهم من يدفعون الثمن الأغلى لأنهم منحوا مشاعرهم بصدق وفتحوا نوافذ أرواحهم دون حصانة.
ولأننا نخاف أن نهدر ذواتنا في محاولاتنا لفهم الآخرين، يبقى علينا أن نتوقف عن تبديد العاطفة على من لا يستحق، وأن نكون أكثر حذرا في اختيار من نُدخلهم دائرة علاقاتنا وأن نُقصي عن محيطنا أولئك المتلذذين بنقل الأقاويل وإشعال الفتن… أولئك الذين يحسبون التخريب بطولة.
أما من قالوا الحقيقة، فهم رغم شجاعتهم كثيرا ما يتحولون إلى ضحايا لأنهم واجهوا الزيف بوضوح، وكشفوا الأقنعة دون مواربة.
إنني أجزم بأن الحقيقة طريقها وعر مليء بالمطبات والخسارات، لكنها في النهاية تتركنا أكثر وعيا وأكثر قدرة على بناء أنفسنا من جديد، نخرج منها بشخصيتين: واحدة نظهرها للعالم بحيادية ونضج، وأخرى نخبئها في أعماقنا محفوظة بنقائها لمن يستحق أن يراها.
اضافةتعليق
التعليقات