من الشائع أن يخلط الكثيرون بين الشعور الطبيعي بالحزن والإصابة بمرض الاكتئاب. فبعد تعرّضه لموقفين حزينين متتاليين، قد يسرع الشخص إلى توصيف نفسه بأنه "مكتئب"، وهذا الالتباس قد يؤدي إلى سوء تقدير الحالة النفسية الحقيقية، إما بتقليل شأن مرض خطير يحتاج إلى علاج، أو بتهويل حالة عاطفية طبيعية عابرة.
لذا، من الضروري فهم الفروق الجوهرية بينهما، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
الحزن: رد فعل طبيعي على أحداث الحياة
· طبيعته: هو عاطفة إنسانية طبيعية وأساسية نشعر بها جميعًا كاستجابة لألم أو خسارة أو خيبة أمل. إنه جزء من تجربة الإنسان في عالم لا يخلو من المنغصات.
· مسبباته: يحدث غالبًا لسبب واضح ومحدد، مثل فقدان عزيز، أو فشل في مشروع، أو شجار مع شخص مقرّب.
· مدته: يكون مؤقتًا وقصير الأجل نسبيًا. قد يستمر لأيام أو أسابيع، لكنه يبدأ بالتراجع تدريجيًا مع الوقت.
· تأثيره على الحياة: رغم صعوبته، يظل الشخص قادرًا على ممارسة حياته اليومية (العمل، الدراسة، الاهتمامات). قد تجد أن القيام بهواية محببة أو مقابلة صديق مقرّب أو حتى مرور الوقت كفيل بأن يخفف من حدته ويعيد للشخص شغفه ونشاطه بشكل تدريجي.
الاكتئاب: اضطراب نفسي يعطل مسار الحياة
· طبيعته: ليس مجرد شعور، بل هو اضطراب نفسي طبي (مرض) يؤثر بشكل شامل على المشاعر والأفكار والجسد والسلوك.
· مسبباته: قد ينشأ دون سبب مباشر أو واضح. قد يصاب الشخص بالاكتئاب حتى عندما تبدو حياته "مثالية" من الخارج. وقد يكون بسبب خلل كيميائي في الدماغ، أو عوامل وراثية، أو صدمات متراكمة.
· مدته: مستمر وطويل الأمد. وفقًا للدليل التشخيصي، تستمر الأعراض لمدة أسبوعين على الأقل بشكل متواصل، وقد تمتد لشهور أو سنوات إذا لم يُعالَج.
· تأثيره على الحياة: يعطل الاكتئاب قدرة الشخص على العمل بشكل كلي. من أبرز أعراضه:
· فقدان الشغف والطاقة تجاه جميع الأنشطة تقريبًا، حتى تلك التي كانت مصدرًا للمتعة سابقًا.
· اضطرابات شديدة في النوم (الأرق أو النوم المفرط) والشهية (فقدانها أو الإفراط في الأكل).
· مشاعر عميقة بعدم القيمة أو الذنب المفرط.
· صعوبة شديدة في التركيز واتخاذ القرارات.
· انسحاب من الحياة الاجتماعية والعزلة.
· أفكار متكررة عن الموت أو الانتحار.
· لا تزول هذه المشاعر بمجرد حدوث موقف إيجابي عابر.
لماذا يخلط الناس بينهما؟
هناك عدة أسباب لهذا الخلط، منها:
· تشابه بعض الأعراض: مثل البكاء والشعور بالضيق.
· وصف عامي خاطئ: أصبحت كلمة "اكتئاب" تُستخدم في اللغة الداركة لوصف أي حالة حزن عابرة.
· الرغبة في التفهم: في بعض الأحيان، قد يعتقد الشخص أن وصف حالته بـ "الاكتئاب" سيجعل الآخرين يأخذون معاناته على محمل الجد بشكل أكبر، في إطار ما يعرف بـ "منافسة المعاناة".
الخلاصة: لماذا يجب أن نفرّق؟
· الحزن هو جزء طبيعي من رحلة المشاعر الإنسانية، نتقبله ونتعايش معه حتى يمر.
· الاكتئاب هو حالة مرضية تحتاج إلى تشخيص من مختص (طبيب نفسي أو معالج) وخطة علاج قد تشمل العلاج النفسي (مثل العلاج المعرفي السلوكي) والدوائي في كثير من الأحيان، إلى جانب دعم المحيطين وتغيير في نمط الحياة.
إدراك الفرق بين الحزن العابر والاكتئاب المرضي هو خطوة أولى وحاسمة نحو التعامل الصحيح مع حالتنا النفسية أو حالة من نحب، وطلب المساعدة المهنية عندما تكون هناك حاجة فعلية لها، مما يفتح الطريق نحو التعافي والعودة إلى الحياة الطبيعية.
اضافةتعليق
التعليقات