نحن الآن على ابواب شهر ذي الحجة.. شهر عظّمه الباري سبحانه، وجعله واحدا من اشهر الحرم الأربعة العظيمة القدر في المنظومة العقائدية لنا نحن المسلمون.
كل الأبصار تتطلع الى تلك الديار المقدسة، والتي حطّت بها بشائر الوحي الاولى، وتزّينت بها بعثة خاتم الانبياء محمد (صلى الله عليه واله) فهي اقدس بقاع الارض واعلاها شأنا وارفعها مقاما، ولمَ لا تكون كذلك؟! أوَ ليست هي قد شهدت موطئ اقدام خليل الرحمن ابراهيم عليه السلام؟ فهي اذن البقعة التي تشرفت وأُستجيب فيها دعاء ابو الانبياء، فقد جعلها الله سبحانه من أعظم بقاع الارض بركة، اذ تهوى اليها أفئدة المؤمنين من كل اصقاع الارض.
هو البيت العتيق الذي لا زال يشهد مناسك المسلمين في كل عام.. تؤدى فيه العبادات.. وتزدلف اليه افئدة الموحدّين، ولا زالت شعائر الحج قائمة، مهما تطاول الزمن، هي ذاتها لم تتغير ولم تتبدل.. وسيبقى الحج شعيرة عظيمة كباقي شعائر الله، والتي أمرنا ان نُحييها ونرفدها ونخلص في ادائها ونعظّمها، لأنها من تقوى القلوب.
إلا انّ التعظيم الذي دأب المسلمون عليه، وهم يؤدون هذه الشعيرة، لا يتعدى المظاهر المألوفة، ولا يتجاوز تلك الحركات من طواف وسعي وتقصير وازدلاف للمولى تعالى بصلاة او نسك، انها حركات يؤديها الحجيج في مكة المكرمة، قد توارثوها جيلا بعد جيل.. إلا انّ محتواها القيمي لا زال مغيّبا عن اذهان السواد الاعظم منهم، ونقصد بالمحتوى القيمي:
هو ما تترجمه أفعال الحجيج على ارض الواقع، وما تنبثق عنها من توجهات لتحسين واقع المسلمين المتردي على كافة الاصعدة.
روي مرفوعا الى ابي بصير وكان ضريرا انه قال: كنت مع الباقر عليه السلام في الطواف ببيت الله الحرام، فسمعت كثرة الضجيج، فقلت له:
- يامولاي ما اكثر الضجيج واكثر الحجيج!.
فقال لي ابو جعفر الباقر عليه السلام:
- يا ابا بصير ما اقل الحجيج واكثر الضجيج!!
إنّ المحتوى القيمي للحج الهادف يتمثل بالطواف حول كوخ الفقير، والبحث عن المعوزين والمحرومين.. والسعي لانجاز معاملات المواطنين، وعدم عرقلتها وتأخيرها لسبب او لآخر.. والوقوف في تظاهرة للتنديد بالظالم وشد أزر المظلوم.. ورمي المسؤول المقصِّر بالفساد في حاوية المهملات.. والتضحية بالحاكم المستبد الذي طغى وتجبر دون وازع من ضمير.. هذا هو المحتوى القيمي الذي طالما يغيب عن اذهاننا ونحن نؤدي حركات الحج بشكل اجوف خالٍ من ادنى درجات التعاطف والتضامن والتآزر.
أيها المسلمون: ليكن همّكم ليس الوصول الى البيت، بل الوصول لصاحب البيت، لأن صاحبه - عزوجل - كان ولا يزال ينادي بالخير والاحسان، فليكن شعارنا: الخير والاحسان اينما حللنا واينما حطّت ركابنا، وليكن محتوى الحج القيمي حاضرا في وجداننا وسلوكياتنا، وإلا فإننا لا نعدو أن نكون جزءً من حركة ضجيج يعلو صداها ويتسع مداها.. وسيتحول الحج رويدا رويدا الى ساحة مرمى بلا اهداف، والمشتكى الى الله وحده.
اضافةتعليق
التعليقات