ورد -بإسناده- عن موسى بن جعفر، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال علي (عليه السلام):
"استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها: لم حجبتيه وهو لا يراك؟ فقالت (عليها السلام): إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أشهد أنك بضعة مني".(١)
قد يبدو هذا الرد من الصديقة (عليها السلام) لمثل هذا الموقف إنه رد مفاجئ ومثالي -إن صح التعبير - فالشخص أعمى وهي سيدة جليلة ذات عصمة، ولكن لو تأملنا جيدًا لوجدنا أن هذا الرد عميق وواقعي جدًا ويكشف عن حقيقة العفاف في الذات الإنسانية التي يجب أن تمتلكها كل امرأة فاطمية.
إذ أن السيدة (عليها السلام) أعطتنا هذا الرد كقاعدة أساسية لبناء العفاف فينا، وليس أمر ثانوي أو كمالي في ما نحوزه من ملكة العفاف، وهذه القاعدة هي [يكفي أنني أراه وأعلم أن الريح التي تُشَمْ هي ريحي، كي لا أبديها لغير المحارم]، ولنا أن نسقطها على كل ما لا يجوز إظهاره للغرباء منا كنساء، فإن كان هكذا علينا أن نتعامل مع الريح الذي قد يُشم فمن باب أولى ستر وحجب ما هو أبين وأعلم…
فكم نحن بأمس الحاجة لهذه القاعدة الآن، فلو أردنا أن نقيس ما نشاهده من مفارقات بين الواقع والمواقع لرأينا حجم الابتعاد عنها، وعدم العمل بها، فالفتاة التي تضع غوشًا على وجهها أو تضع باقة ورد تخفي بها ملامحها أو تظهر يديها أو حتى تلك التي تظهر بنقاب لكن يبرز جمال عينها.
إن كانت فاطمية لا تتساهل بالنشر وتقول: هؤلاء لا يعرفون من أنا، فملامحي مخفية، بل تقول: يكفي أن أعرف أن هذه اليد يدي، وهذه العين عيني، وهذا البدن المتجلبب بهذه العباءة هو جزء مني كي لا أظهره هكذا للناظرين، فكما لا أرتضي لنفسي أن أكون عرضة لنظر غريب في الواقع كيف أرتضي أن أكون عرضة لنظر المئات بل الآلاف من الغرباء هكذا، ففي الواقع قد يكون الأمر خارج اليد لكن في مواقع التواصل فبيد الفتاة كل الأمر.
بل إن اخفاء أجزاء واظهار أخرى يجعل الناظر له فضول أكثر بالتدقيق والنظر لا العكس، فهي تعرض نفسها لما لا يليق بها كملتزمة أكثر من تلك المتبرجة أو السافرة التي تظهر بكلها.
بالنتيجة لو ترسخت هذه القاعدة واستقرت في قلوب المؤمنات لما وقعت الكثير من الفتيات والنساء اللواتي يدعين الانتماء إلى هذه السيدة ومنهجها صلوات الله عليها بفخ سلب العفاف في المواقع، فهن ببعض سلوكياتهن في ظهورهن على مواقع التواصل - بلا ضرورة - هن يدعين أنهن يردن أن [يظهرن] صورة جميلة عن الحجاب والعفاف الفاطمي بينما هن في الحقيقة [يتظاهرن] بذلك ويفتحن باب التبرير لظهورهن بهذه الصورة.
فهناك دافع خفي ورغبة داخلية فيهن بأن يكن لهن وجود وظهور وسط هذا الضجيج العالمي لإبراز النساء، فإن اعترفن بوجوده وسعين لضبطه، وجعلن من سلوك سيدة نساء العالمين المقياس لا هذه أو تلك حتمًا سينجين من فخ سلب العفاف في آخر الزمان.
———————
اضافةتعليق
التعليقات