لم تعد ظاهرة رمي الاطفال الرضع على قارعة الطريق في عُلب كرتون أو وضعهم أمام المساجد والمستشفيات أمراً مستغرباً، فبعد أن كانت تثير الدهشة وتكثر التساؤلات حول مايمكن أن يدفع الأم إلى رمي فلذة كبدها والتخلّص منه, باتت هذه الظاهرة جزءاً من يوميات الكثير الذين يتعايشون معها وكأنّها مثل أي خبر سيء آخر.
فمنذ فترة, تمكنت طفلة مجهولة الهوية حديثة الولادة من الصمود في وجه الموت في علبة كرتون لساعات طويلة بعد رميها في احدى الطرقات في محافظة ديالى, لتصل أخيراً الى مستشفى البتول في مدينة بعقوبة حيث نقلت سريعاً الى غرفة العناية المركزة لتعالج من أمراض كثيرة أصابتها, أطلق عليها الكادر الطبي أسم "بـتـول" وهو اسم المستشفى الذي تعالجت به لكونها مجهولة الهوية.
وقبلها كان قد عُثر على طفل حديث الولادة أيضاً في حالة سيئة على الطريق في العاصمة بغداد, ونقل الى مستشفى اليرموك للولادة غربي بغداد, لتجري له الاسعافات الاولية بسبب معاناته من الجوع والحاجة الى السوائل.
وعلى الرغم أنّ القوى الامنية تفتح تحقيقاً بعد إعلامها بإيجاد الاطفال المرميين على الطرق, فغالباً ما لاتصل الى أي خيوط واضحة حول هوية الاهل والاسباب التي دفعت الام خصوصاً الى التخلّص من الطفل.
وهنا يأتي دور الجمعيات الاهلية أو المؤسسات الدينية لأحتضان الطفل ونقله الى دور الايتام لينضم الى أخرين كثر حُكم عليهم بأن يكبروا من دون أم أو أب يكون سنداً لهم.
أسباب إجتماعية وأخلاقية
إذا كان هذا التساؤل هو أول مايطرأ على بالنا عند سماع خبر عن رمي طفل في علبة كرتون أو لفه في شرشف ووضعه في حاوية للنفايات, فالجواب واضح عند المختصة النفسية الأستاذة حـنـيـن الـحـسـنـاوي, التي تشير الى أن ظاهرة رمي الاطفال "أسبابها إجتماعية وأخلاقية" وخوفاً من القتل والتشهير بعرضها فتتخلص منه كي لايفضح أمرها.
وتـؤكـد الـحـسـنـاوي أن غريزة الامومة تُمحي كل الحالات النفسية والاضطرابات, إذاً لاتوجد حالة نفسية تدفع الأم لرمي فلذة كبدها كما يعتقد البعض.
أما عن تكاثر هذه الظاهرة في العراق, فترى الحسناوي أنّ لها أسباباً عدة, أهمها عدم توعية الفتيات من عمر صغير حول العلاقات وكيفية حماية أنفسهن, أن كل حالة لها ظروفها الخاصة تختلف عن الحالة الثانية أما أن تكون هي أساساً سيئة الخلق أو لأسباب اقتصادية أو بسبب الخضوع التام لغرائزها بحجة "الـحـب".
تداعيات خطرة
يمكن أن تكون نوايا الام أن يجد طفلها حياة أفضل بعيداً منها, لكن هذا الحلم الوردي لا يتحقق في معظم الحالات.
فعند العثور على طفل مرمي في مكان مـا, يجب إبلاغ القوى الامنية لتسجيل إفادة بالحادثة, ويُنقل بعدها الى المستشفى لمعالجته ثم يُسلّم الى مؤسسة ترعاه.
أما إذا كان الشخص الذي وجده يرغب في رعايته, فذلك يتطلّب منه إبلاغ الجهة المعنية لأنه يحتاج الى غطاء قانوني لذلك.
لـكـن مهما كانت الجهة الراعية, فالطفل يُسجل تحت أسم أب وأم مستعارين وتكتب كلمة "مستعار" أمام أسم الطفل ليكون قانونياً طفلاً لقيطاً.
ومع تقدّمه في العمر, يتم إخبار الطفل بالحقيقة جرعة جرعة ليدرك أنّ لا عائلة له, وهنا تكون اللحظة الاصعب.
فتكون الحياة السعيدة التي تمنّتها الأم لطفلها ليست إلا درب شوك, خصوصاً إذا قرر في عمر المراهقة ومافوق البحث عن والديه البيولوجيين.
اضافةتعليق
التعليقات