قصة من التراث المصري تتحدث عن قرية يعيش أهلها بساطة الفكر والتدبير وكانوا يعتمدون على شخصية تدّعي العلم والخبرة في كل شيء، فكانوا يولونه حل أغلب أمورهم، يسمونه (أبو العريّف).
في يوم من الأيام جاءه أهل القرية طالبين مشورته في أمر بقرة لهم قصدت زير الماء الخاص بالقرية لتشرب، فعلق رأسها في فتحة الزير، إستنشدوا بأبو العريف متوسلين إليه بأن يجد لهم حلا بحيث يمكنهم إستعادة البقرة وزير الماء سالمين.
فأستجاب لهم أبو العريف مستهزئاً بأنه يحل الأكبر منها وما هذه لتستعصي عليه، فذهب مع مساعديه قاصدين البيت المطلوب - الذي توجد فيه البقرة المحشورة الرأس - ، ولما شاهد وضعية البقرة أمرهم بسيف، فقطع به رأس البقرة فعلق الرأس أسفل زير الماء، أعاد النظر في الأمر ثم طلب فأساً فهدم به الزير وأخرج الرأس وبذلك حُلّت المشكلة.
ضج الناس بالتصفيق والمباركة وأقيمت الوليمة وطُبِخت البقرة إحتفاءً بأبي العريف، بعدها أخذ ينشج ويبكي بكاءً مريرا، فاستغرب الناس من ذلك، فأخبرهم أبو العريف:
"أبكي عليكم ماذا كنتم ستفعلون من دوني".
شخصية أبو العريف هذه وإن بدت تقليدية وأثرية في القصة، لكنها لازالت معاصرة أكثر مما تتخيلون، ففي كل جماعة من الناس لا بد بأن يظهر أبو عريّف، فإن كان الحديث عن الطب وجدته ابن بيطار زمانه، وإن كان عن الفيزياء فهو انشتاين زمانه، وعن الرياضيات كأنه خوارزمي زمانه، وإن سُئل عن الدين فهو فقيه زمانة يهيل بالفتاوى والمحلل والمحرم والجائز والمستحب على رؤوس سائليه.
يحشر أنفه في كل المواضيع عامة أو شخصية ، يُظهر رأيا في كل مناقشة حتى وإن كانت في غير أختصاصه أو اهتمامه - فقط ليُظهر نفسه أو ليصب الاهتمام عليه حتى وإن بدا حديثه يفتقد للخبرة والتجربة والبرهان فأنه يسترسل به مستهزءا بمن لديهم الخبرة من ذوي الاختصاص فعلا، فنيوتن ومن نيوتن هو مجرد شخص سقطت على رأسه تفاحة، والعلماء من هم ليأخذوا مكان الله ويحددونه بـ أفعل ولا تفعل من يحتاج الى ذلك الكل لديه عقل وهذا كتاب الله نتبعه والسلام، وهو بالكاد يمكنه أو لا يمكنه تدبر أمر القراءة الصحيحة، يبُت في أمر تفسير كتاب كلّف الباحثون آلاف السنين لفهم وتفسير جزء منه.
لهُ في كل مقام مقال، وفي كل عُرسٌ قُرص، ومع كل شخص شخصية، وعند كل ظرف سلوك، يلائم جميع المقاسات، وينحشر في كل الاختصاصات، ليس من أمر لا عِلم له به قول - لا أعلم - كواجب أحتياطي لردة فعل من هم أكثر منه خبرة، أو بمحضرٍ من ذوي اختصاص مايزيده حضورهم إلا تعرضه للنقد والتنقيح.
هذه ليست دعوى بحصر الكلام وإبداء الرأي بجهة معينة، لكن ليس بالضرورة أن يكون لنا رأي في كل شيء، هناك من يتحدث بمحل يصبح كلامه مما يقال عليه كلام من فضة السكوت عنه أثمن، فإن كان لصاحبه بصيرة ولب راجح أن يتدارك وضع شخصيته ويحفظ هيبته بأبداء رأي لا يخلو من عبارات - أعتقد ذلك - أو - ربما الأمر كذلك - فيعطي الانطباع من عدم الجزم في صحة المعلومة وهذا أسلم إذا ما تعرض للنقد، أو الاستعانه بالسكوت فهو وقار وهيبة للعالم وستر الجاهل.
ماذا نفعل لأبو العريف وهل شخصيته هذه نفسية أم وراثية أم مرضية أم ماذا؟!
والطامة لو وجدناه أمامنا في العمل وفي البيت، في جلسات الاصدقاء وفي السوق والسيارة، هل نهرب؟!، الصراحة انا أفضل الهرب على المواجهة والاضطرار إلى مجاملته ومداراته في ما يقول أملا بأنتهاء الحديث سريعا، أما معارضته ومجادلته، هل تمزحون؟!، لا تفكروا حتى في ذلك، فالانتصار الحقيقي الخروج من المناقشة ليس برأي صحيح وإنما بأعصاب سليمة.
اضافةتعليق
التعليقات