بعد انتشار ظاهرة الالحاد في المجتمعات الغربية ولحوقها المخيف بالمجتمعات الشرقية نلاحظ زيادة كبيرة في شريحة الشباب الذين باتوا لا يؤمنون بفكرة الدين، بحجة أنه يحوي بعض الأمور التي لا تتوافق مع العقلانية، إذ إن هنالك أشياء في الدين لو عرضناها على عقولنا لرفضتها، فعلى سبيل المثال ما دام لم ينقل أحدا تجربته بعد الموت إذن من الذي يؤكد بأن هنالك عالم ثاني يدعى الآخرة؟.
ولكن مع كل هذه المغالطات التي تحصل هل هنالك عاقل يرفض فكرة الدين؟ وهل نقصد بالعاقل المصطلح الذي يعاكس كلمة مجنون؟.
إذا تصورنا أن العقل بذاته مرتبط بالدين ارتباطا مباشرا، وأن معادلة العقل تقابل معادلة الدين، إذن ماذا عن الكفرة والبوذيين والملحدين الذين يمتلكون عقولا مذهلة، ومنهم يخرج الكثير من العلماء والعباقرة والفلاسفة؟، كيف لهم أن يكونوا خارج الدين وهم من أصحاب العقول المميزة؟
في الحقيقة إن تفصيل مفهوم العقل يتفرع الى تفرعات كثيرة، اذ ان هنالك اصطلاحات كثيرة لمفهوم العقل، ربما تربو على عشرة اصطلاحات او أكثر، فالفلاسفة ومنهم المشاؤون يقولون بأن العقول مجردة وقائمة بذواتها، ويعتقدون بان اول ما خلق الله تعالى هو العقل.
كما أن هنالك اصطلاحان أحدهما شائع عند الغربيين جدا، وهو (راسيوناليسم= العقلانية) والثاني هو العقلانية المرتبطة بالدين، ويجب أن نعرفه من القرآن، ويحدث اليوم اختلاطات كبيرة بين العقلانية التي ينادي بها الغرب والتي تنكر الوحي ولا تعترف بذلك، وبين العقلانية التي تعرف بالقرآن وتكون من مصدر الدين الثابت.
كما أن هنالك أمور ثابتة في الدين لا تنالها يد العقل العادي الذي نستخدمها فإذا عممنا العقل المدرك للحقائق العالية ولو لم نملك تلك القوة فهو أمر اخر(1).
وهنالك أحكام تعبدية لا تنالها يد العقل البشري، وذلك لأن العقل العادي لا يحيط بجميع المصالح والمفاسد للأفعال، لأن المصالح الخاصة للأحكام إنما تثبت بالتجربة لكن تأثير أعمالنا في النتائج الأخروية غير معلوم لنا وغير قابلة للتجربة بالنسبة إلى عالم الاخرة وما سيحدث بعد الموت.
كما أن للعقل مجالا خاصا به تمثل الأدلة العقلية المثبتة لتوحيد الله تعالى والتي تعتبر الحجر الأساس للدين.
وهنالك مجال خاص للدين وهو الأمور التي تكون مبادئها بعيدة عن مجال العقل، أي إن العقل لا مجال له في اثبات تلك الأمور، لأنه أمر اعتقادي ولا يثبت إلا بالتعبد والنقل مثل أحكام الصلاة والحج واعتقادات ما بعد الموت وسؤال القبر.. الخ.
وقد ورد في روايات أهل البيت التحذير من الاتكال على العقل العادي في الأمور الدينية وسموه بالقياس وإن ذلك يؤدي إلى البدعة وإن السنة إذا قيست هكذا فقد محقت الدين، لأننا إذا اتكلنا على عقولنا وعلى تجاربنا فسوف لن نصل إلى حقيقة أحكام الدين ومصالحها الواقعية والكاملة.
فالفكرة الأصلية من خلق السماوات والأرض والانسان مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعقل، لأن العقل والمنطق ينفي وجود هذه الهندسة العظيمة دون خالق، وبهذه الحالة فقد خرجنا من دائرة الالحاد بتصديقنا بوجود الرب الذي تكفل بخلقنا، ثم نتجه عقليا إلى وجود رسول (مخلوق) يهدي الناس إلى الخالق، لأن من غير المنطقي أن يتركنا الخالق نعبث بالأرض تائهين دون مرشد ولا دليل، وبهذه الحالة فقد دخلنا إلى دائرة الدين والتصديق برسالة الرسول الذي بعثه الخالق، وعندما تثبت لنا عقليا مصداقية الرسول والكتاب الذي أنزل به بذلك سنصدق عقليا كل الأمور التي يطرحه لنا في كتابته بالطريقة النقلية كأمور المعاد والأحكام وإلى ما شابه ذلك.
إذن مرحلة النقل تبدأ بعد التصديق الكامل والتسليم المطلق لله والرسول والكتاب الذي ناتجه العقل البشري الذي وهبه الله لنا لندرك ولو ذرة عظمة الخالق والمخلوق!.
[1] بتصرف من (أصول المعارف الانسانية/ اية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي)
اضافةتعليق
التعليقات