الغرب والشرق مفهومان تبلورا في عصر الاستعمار، عندما انقسم العالم في الوعي الأوروبي إلى مركز واطراف، فالمركز هو أوروبا، أما الأطراف فهي آسيا وافريقيا والعالم خارج أوروبا بأسره.
غير أن مفهومي الشرق والغرب وإن تبلورا في عصر الاستعمار لكن دلالاتِهما وُجدت في الماضي، فقد كان في العالم منذ القديم قوتان تتنازعان السيادة، احداهما في الشرق والأخرى في الغرب، وتجلى هذا النزاع في الصراع بين الفرس والروم، وفي الصراع بين المسلمين والصليبيين، وبين العثمانيين والأوروبيين، وتباينت مراحل هذا الصراع في مستوى عنفها وضراوتها، فاصطبغت في معظم الفترات بالدم القاني.
وقد ولد الاستشراق في فضاء ذلك الصراع الطويل. والاستشراق يُعبر عن نظام معرفي، يُعنى بتشكيل صورة نمطية للشرق في الوعي الغربي، تعيد هذه الصورة إنتاج ما ورثه الانسان الغربي من أوهام وأساطير حول الشرق وتراثه وتاريخه ومعارفه.
وقد ظهرت مجموعة مصطلحات تحاكي في دلالاتها الاستشراق، ومن هذه المصطلحات "الاستعراب"، وهو يعني دراسة تاريخ وتراث ومعارف وأديان العرب، فالمستعرب أخصّ من المستشرق؛ لأن الثاني تشمل اهتماماته الشرق عامة، فيما يختص المستعرب باللغة العربية وآدابها، وما يرتبط بانماط الحياة العربية، وتراث العرب وآثارهم وتقاليدهم، منذ بداية تاريخهم حتى اليوم.
كما يقال مثلاً: المستشرق فلان خبير بالإسلام الهندي، أو الاسلام التركي، أو الاسلام الايراني، أو الاسلام الاندونيسي. ويعنون بذلك الباحث الغربي الذي يتخصص بالتراث والمجتمع الاسلامي لهذا الاقليم أو ذاك من المواطن الجغرافية والأجناس البشرية.
وأخيراً، أطلق بعض الباحثين مصطلح "الاستغراب" في مقابل الاستشراق، وجرى استخدام الاستغراب لدى بعض الدارسين قبل ما يناهز ربع قرن، ثم تطورت صياغة مفهومه، فأضحى بمثابة اتجاه بديل لدراسة الحضارة الغربية ومسارها وتراثها ومعارفها من منظور شرقي، أو هو محاولة لدراسة الآخر من منظور الأنا، مثلما يعبر الدكتور حسن حنفي الذي أصبح أحد أبرز الداعين للاستغراب.
ومن أجل معرفة السياق التاريخي لتبلور مفهوم "الاستغراب" في فكرنا الحديث، ينبغي أن نُلم بإيجاز بمراحل التعرف على الاستشراق ونقده في الأدبيات الناطقة باللغة العربية، خاصة تلك التي حاكمت مناهج المستشرقين، وتوغلت في مرجعياتها، وفضحت تحيزاتها المعرفية.
المرحلة الأولى: اكتشاف الاستشراق..
المرحلة الثانية: السجال حول الاستشراق..
المرحلة الثالثة: تشخيص بنية المعرفة الاستشراقية..
المرحلة الرابعة: الدعوة لتأسيس علم الاستغراب مقابل الاستشراق..
من كتاب (نحن والغرب جدل الصراع والتعايش) لـ عبد الجبار الرفاعي
اضافةتعليق
التعليقات