ليست كل الامور بيدنا، فلا احد مثلاً يستطيع أن يختار تاريخ ميلاده، والعائلة التي يولد فيها، ولا مكان ولادته، ولا لون عينيه، ولا طوله، ولا لون بشرته، وصفاته الجسدية.
لا احد يستطيع ان يمنع وقوع بعض الحوادث المؤسفة له كموت صديق، او حدوث زلزال، او هبوب الرياح، او امور اخرى من هذا القبيل، فتلك امور ترتبط بالقضاء والقدر.
واذا كان البعض غير مرتاح مما هو حادث له سواء فيما يرتبط بمواصفاته الجسدية او فيما يرتبط بالحوادث التي تقع فإن من الافضل ان يقارن نفسه بمن هو اكثر ابتلاءً منه، ويرضى بالقضاء والقدر، إذ ليس له خيار آخر غير هذا الخيار.
يقال: إن رجلاً وقع في بئر، فأخذ يصرخ ويطالب كل من يمر به ان يخلصه، فقال له رجل سمع استغاثته: اصبر حتى آتيك بحبل وارفعك به.
فقال الرجل: وإذا لم اصبر، فماذا أفعل؟
إنك احياناً لا تملك إلا أن تصبر على ما انت عليه، إذ لا تملك إلا هذا الخيار، ثم إن علينا أن لا نعتبر ما نحن فيه من الامور التي لا ترضينا أسوأ ما يمكن أن يحدث لنا، "فربّ ضارة نافعة" كما يقول المثل. فكم من أمور اعتبرناها (نقمة) تبين أنها كانت في حقيقة الأمر (نعمة) والعكس ممكن ايضاً.
ويذكر في هذا الموضوع قصة قرية كان فيها عجوز حكيم وكان اهلها يثقون به، في الاجابة على اسئلتهم ومخاوفهم.
وفي احد الأيام، قصد فلاح من القرية العجوز وقال بصوت محموم: "ايها الحكيم، ساعدني لقد حدث لي شيء فظيع. لقد حدث لي شيء فظيع. لقد هلك ثوري وليس عندي حيوان يساعدني على حرث ارضي!، اليس ذلك اسوأ ما يمكن ان يحدث لي؟.
فأجاب الحكيم: "ربما كان ذلك صحيحاً، وربما كان غير صحيح".
فأسرع الفلاح عائداً لقريته وأخبر جيرانه ان الحكيم قد جن، لأنه كان يظن ان ذلك أسوأ ما يمكن ان يحدث للفلاح، فكيف لم يتسن للحكيم ان يرى ذلك؟
إلا أنه في اليوم ذاته، شاهد الناس حصاناً صغيراً قوياً بالقرب من مزرعة الرجل، ولأن الرجل لم يعد عنده ثور ليعينه في عمله، فقد اتت الرجل فكرة اصطياد الحصان ليحل محل الثور، وهو ما قام به فعلاً.
وقد كانت سعادة الفلاح بالغة، فلم يحرث الأرض بمثل هذا اليسر من قبل. وما كان الفلاح إلاّ ان عاد للحكيم وقدم إليه أسفه قائلاً: "لقد كنت محقاً أيها الحكيم، إن فقداني للثور لم يكن أسوأ ما يمكن أن يحدث لي، لقد كان نعمة لم استطع فهمها، فلو لم يحدث ذلك لما فكرت ابداً في أن أًشتري حصاناً جديداً، لا بد أنك توافقني على أن ذلك هو أفضل ما يمكن أن يحدث لي".
فأجاب الحكيم: "ربما نعم، وربما لا".
فقال الفلاح لنفسه: "لا، ثانية؟!، لا بد أن الحكيم قد فقد صوابه هذه المرة". لم يدرك الفلاح ما سيحدث. وبعد مرور بضعة أيام سقط ابن الفلاح من فوق صهوة الحصان، فكسرت ساقه، ولم يعد بمقدوره المساعدة في حصاد المحصول.
ومرة اخرى، ذهب الفلاح الى الحكيم وقال له: "كيف عرفت ان اصطيادي لن يكون أمراً جيداً؟ لقد كنت على صواب ثانيةً، فلقد جرح ابني، ولن يتمكن من مساعدتي في الحصاد. هذه المرة انا على يقين بأن هذا هو أسوأ ما يمكن ان يحدث لي، لا بد أنك توافقني هذه المرة؟".
ولكن، كما حدث من قبل، نظر الحكيم الى الفلاح وأجابه بصوت ملؤه الشفقة وقال: "ربما نعم، وربما لا". استشاط الفلاح غضباً من جواب الحكيم وعاد من فوره الى القرية.
في اليوم التالي، قدم افراد الجيش واقتادوا جميع الرجال القادرين للمشاركة في الحرب التي اندلعت للتو، وكان ابن الفلاح الشاب الوحيد الذي لم يصطحبوه معهم، ومن هنا كتب له أن يبقى في منزله في حين اصبح محتماً على الباقين ان يذهبوا الى الحرب.
إن المغزى الأخلاقي لهذه القصة يعد درساً نافعاً للغاية، وحقيقة الأمر، اننا لا ندري ماذا سيحدث غداً، نحن فقط نعتقد أننا نعلم ذلك، وغالباً ما نضخم من شيء ما، ونخترع أحداثاً مبالغاً فيها في عقولنا عن اشياء بشعة سوف تحدث. اما اذا احتفظنا برباطة جأشنا وفتحنا عقولنا امام كل الاحتمالات، لتأكدنا من ان كل شيء سيصبح على ما يرام في نهاية المطاف. وتذكر: "قد يكون الامر كذلك، وقد لا يكون".
اضافةتعليق
التعليقات