تساؤل.. ابتدأ الأمر كله من تساؤل واحد! لمَ تعقدون مجلس بإسمه وهو حاضر بيننا؟ ألا تقولون أنه حاضر غاب شخصه!
لم يسبق لها أن تعيش صراع التساؤلات بهذه القوة، فكل ما كان يشغلها هو التحضر للامتحانات الوزارية للصف الثالث المتوسط حتى أقبل عليها اسمه كالشهاب الثاقب أشعل وأضاء فؤادها الذي أنسوه عهد الذر الذي بين وجوده المبارك وبينها!
بينما كن يغازلن بضحكاتهن خيوط الشمس ويجدلن بعفوية قلوبهن حكايات الفتوة في الاستراحة بين الدرس الثاني والثالث تبعثرت حروفها تساؤل ودهشة حين دعتها ابنة عمتها إلى مجلس يقام بإسم صاحب العصر والزمان فأردفت وفي عينيها ألف استفهام "مجلس للإمام المهدي!".
أحست أن ثمة مشاعر غريبة تدغدغ نبضاتها ثمة عهد/ميثاق/لقاء قديم أزلي في قعر فطرتها بين اسمها واسمه لكنها كانت كمن أفاق من غيبوبةٍ فقد على أثرها ذاكرته ويحاول استعادة شيء من ذلك العهد وصور ذلك اللقاء ولكن... ثمة حاجز غليظ أُحكمت أقفاله ما كان بإستطاعتها أن تَفك شيء منه أو تعرف ماهيته.
انتظرت ذلك المجلس بالفضول تارة! وبشعور مجهول تارة أخرى وكأنها تبحث عن ضالة أُخذت منها قسراً ومُحيت من ذاكرتها بعمدٍ جَهول! وألقيت في بحر هائج كثعبان موسى التي كانت تلقف ما حولها...
فلما أفضت ساعات ترقبها آخر حبة رمل في قارورة إنتظارها احتضن اسمه لحاظ عيناها بدموع أمٍ وجدت طفلها المُلقى من حضنها في تابوت سكينته في يَم الضياع هنا استقر على الساحل بعد أن قطع أميال مسيرها يحسب بالآلآم لا الأيام..
بدأ غزل المشاعر يدب في قلبها منذ أول دمعة له داعبت وجنتيها البائستين من القلوب الخشنة التي أحاطت بها الخالية نبضاتها من سكينة اسمه الوضاء، ما كان بيدها إلا أن تناجي ربها بثلاثين طورا من الأشجان فيتمهن الله بعشر ليكشف عنها أيام عجاف لينير شهابه سماءها التي لم يتبق من سماويتها إلا الإسم كانت أول مرة ترفع فيها رأسها للسماء فلَم تلحظ غير "دخان مبين" لولا فسحة نوره التي امتدت إليها دفئ ابوة/تجليات رحمة الهية/يد حانية تربت على فزع قلبها الذي أحاطته مخاوف ما كانت تتصور أن تعيشها في يوم قط! أول مرة تشعر بهلع الفراق/التقصير/الابتعاد الأبكم الأصم الأجوف الذي ملأ روحها خواء..
عودة..
بدأت صور ذلك الميثاق تلوح في سماءها بعد أن شوهت دنيا خضراء الدمن "فطرة الله التي فطر الناس عليها" ثمة يد خفية بدأت تفك أقفال غشاوتها، تسلل شيء من تلك ال "بَلى" وعهود ومواثيق الذر خفية بين نبضاتها ودقائق افكارها تساؤل تلو آخر بسملته اسمه أين/لم/متى.
كان لا بد من أن ترقب نجوم "لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر" في سمائها الملبدة سواداً فكان كل حرف من اسمه نجم سماؤها الثاقب والدليل الناصح..
ولادة روح "يخرج الحي من الميت".
ابتدأت فصل جديد من حياتها ودت لو محيت كل ثانية ما كان فيها اسمه تسبيح شفاها متحجرة من حروف أنهشت قلبه ألم تبحث عنه في الكلمات الرابصة على شفاه كل ذاكر له وبين دموع باكية "وأصبح فؤاد أم موسى فزعا" تجري دموعا له كـسبايا تَفر على وجوهها في البيداء/نار اشتملت بعباءة علوية/ مقنعة سقطت قسرا من وجه آل الله/أطفال هاربة تتلقاها حسك السعدان..
صارت تراتيل نبضاتها وأوتار حبها ومقياس أعادت به هيكلة كل تفصيل في حياتها فكان ترقبها لذلك المجلس قد خط من ألف انتظاره أبجدية دافئة/صامدة لكيانها الهزيل في فوضى التشتت..
فاض حبها له نهرا من حنانه فصار يُرى ويُسمع ويَرسم صور في الأذهان تخاطب كل ذي لب كيف أن صاحب هذا الوجود يعيد ما غير وامتحى من خلق الله! نكاية بصاحب الوعد وجنوده "لأمرنهم فليغيرن خلق الله".
أدركت آية بعد أن التقطها اسمه من هاوية الضياع كيف أن فطرة الإنسان تحرف لا تأويل الآيات بين دفتي الكتاب المقدس فحسب وكيف يعيد صاحب القلوب كل آية كما جاءت في التنزيل والتأويل فكانت شعلة حبها له من آياته العظام وكل آياته عظيمة!
أمسى تابوت ملكه لقلوب منتظريه يلوح في مخيلتها فَرد الله عليها مسحة غيم من سكينة ذلك التابوت حتى صارت تُنادى "سكينة المهدي" .
وكل أملها أن يناديها يوما بصوته "الذي يشبه صوت علي في ليالي الجمعة وهو يملأ زمهرير جدرانهم دفئا وأمانا يرتل على قلب كميل" من جانب الطور فتخلع نعالها حيث الوادي المقدس لكن بروح بشر خلف الكاظم (عليه الصلاة والسلام) تهفو إليه وبترب نعله تمسح الوجنات، ويقطع أيدي السامري أن يمس ذلك التراب وتلعن عجله بين يدي صاحب قلبها فتنثر في دقائق سمائها تراب وطئته قدماه كي تعود شمسها على قيد وجوده مشرقة تنسج من خيوطها حكايا بسملتها اسمه وخال خديه وجمال عينيه ولكن حتى في جانب طور عظمته لن تنتهي تساؤلاتها! فحين يعود لكل شيء بريقه بعودته ماذا عن بريق عينيه هل يعود؟.
اضافةتعليق
التعليقات